الخلق. جمع شدّة ، كالأنعم جمع نعمة ، كأنّها شدّة في الأمور. وقيل : هو من ألفاظ الجموع الّتي لم يستعمل لها واحد ، كالأسدّة بمعنى العيوب ، والقتود بمعنى خشب الرجل ، وغير ذلك.
(وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى) أي : يتوفّاه الله عند بلوغ الأشدّ أو قبله (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) أسوأ العمر وأحقره وأهونه. وهي حال الهرم والخرف. (لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً) ليعود كهيئته الأولى في أوان الطفوليّة ، من ضعف البنية وسخافة العقل وقلّة الفهم ، أي : يصير نسّاء بحيث إذا كسب علما في شيء زلّ عنه من ساعته ، ونسي ما علمه ، وأنكر ما عرفه ، فلا يستفيد علما. قال عكرمة : من قرأ القرآن لم يصر بهذه الحالة.
بيّن سبحانه أنّه كما قدر على أن يرقّيه في درجات الزيادة حتّى يبلغه حدّ التمام ، فهو قادر على أن يجعله حتّى ينتهي به إلى الحالة السفلى. وفيه استدلال ثان على إمكان البعث ، بما يعتري الإنسان في أسنانه من الأمور المختلفة والأحوال المتضادّة ، فإنّ من قدر على ذلك قدر على نظائره.
ثمّ ذكر سبحانه دلالة ثالثة على صحّة البعث ، فقال : (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً) ميّتة يابسة. من : همدت النار إذا صارت رمادا. (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ) هو المطر (اهْتَزَّتْ) تحرّكت بالنبات. والاهتزاز شدّة الحركة في الجهات. (وَرَبَتْ) وانتفخت (وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ) صنف (بَهِيجٍ) حسن رائق سارّ للناظر إليه. ولظهور هذه الدلالة على البعث ، وكونها مشاهدة معاينة ، كرّرها الله تعالى في كتابه.
(ذلِكَ) إشارة إلى ما ذكر من خلق الإنسان في أطوار مختلفة ، وتحويله على أحوال متضادّة ، وإحياء الأرض بعد موتها ، مع ما في تضاعيف ذلك من أصناف الحكم البديعة ، وأنواع اللطائف العجيبة. وهو مبتدأ خبره (بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) أي : بسبب أنّه الثابت الوجود في نفسه ، الّذي به تتحقّق الأشياء (وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى) وإلّا لما أحيا النطفة والأرض الميّتة (وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) إيجادا وإفناء ، لأنّ قدرته لذاته الّذي