(وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ) بسائر ما تعبّدكم به (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) وتحرّوا ما هو خير وأصلح فيما تأتون وتذرون ، كنوافل الطاعات ، وصلة الأرحام ، ومكارم الأخلاق ، وإغاثة الملهوف ، وإعانة الضعيف (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أي : افعلوا هذه كلّها وأنتم راجون الفلاح ، غير متيقّنين له ، واثقين على. أعمالكم.
والسجدة في موضعين من هذه السورة مندوبة بإجماع الإماميّة ، أحدهما : في هذه الآية. والآخر : في قوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) (١) الآية.
وأمّا ما روي عن عقبة بن عامر قال : «قلت : يا رسول الله في سورة الحجّ سجدتان؟ قال : نعم ، إن لم تسجدهما فلا تقرأهما».
وفي رواية اخرى : «فضّلت سورة الحجّ بسجدتين ، فمن لم يسجدهما فلا يقرأها».
فمحمول على تأكّد الاستحباب. وعند الشافعي أيضا مندوبة بالرواية.
وأبو حنيفة وأصحابه لا يرون فيها إلّا سجدة واحدة ، لأنّهم يقولون : قرن السجود هاهنا بالركوع ، فدلّ ذلك على أنّها سجدة صلاة لا سجدة تلاوة. والحقّ الأوّل ، لإجماع الطائفة الحقّة.
(وَجاهِدُوا فِي اللهِ) ومن أجله أعداء دينه الظاهرة ، كأهل الكفر والزيغ ، والباطنة كالهوى والنفس. وعنه أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم رجع من غزوة تبوك فقال : «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر».
(حَقَّ جِهادِهِ) أي : جاهدوا جهادا في الله حقّا خالصا لوجهه.
فعكس وأضيف الحقّ إلى الجهاد مبالغة ، كما يقال : هو حقّ عالم وجدّ عالم ، أي : عالم حقّا وجدّا. وأضيف الجهاد إلى الضمير ، مع أنّ القياس أن يقال : حقّ الجهاد فيه ، أو حقّ جهادكم فيه ، كما قال : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ) لأنّ الجهاد كان مختصّا بالله من حيث إنّه مفعول لوجه الله ومن أجله. أو للاتّساع ، فإنّه يجوز أن يتّسع في الظرف.
__________________
(١) الحجّ : ١٨.