ثمّ نبّه على مقتضى الجهاد والداعي إليه بقوله : (هُوَ اجْتَباكُمْ) اختاركم لدينه ولنصرته (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) أي : ضيق بتكليف ما يشتدّ القيام به عليكم. وفيه إشارة إلى أنّ التكليف بالجهاد حيث شقّ عليهم لا مانع لهم عنه ، ولا عذر لهم في تركه أو إلى الرخصة في إغفال بعض ما أمرهم به ، لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم».
وقيل : عدم الحرج بأن جعل الله تعالى لهم من كلّ ذنب مخرجا ، بأن رخّص لهم عند الضرورات ، كالتيمّم والقصر وأكل الميتة وغير ذلك ، وفتح عليهم باب التوبة ، وشرع لهم الكفّارات في حقوقه ، والأروش والديات في حقوق العباد. ونحوه قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (١). وفي الحديث : «إنّ أمّتي أمّة مرحومة».
والحاصل : أنّ الله لم يضيّق عليكم أمر الدين ، فلن يكلّفكم ما لا تطيقون ، بل كلّف دون الوسع ، فلا عذر لأحد منكم في ترك الاستعداد للآخرة.
وقوله : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) منصوب على المصدر بفعل مقدّر دلّ عليه مضمون ما قبله بحذف المضاف ، أي : وسّع دينكم توسعة ملّة أبيكم إبراهيم ، ثمّ حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. أو على الإغراء والاختصاص ، أي : أعني بالدين ملّة أبيكم ، كقولك : الحمد لله الحميد.
وإنّما جعله أباهم لأنّه أبو رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهو كالأب لأمّته ، من حيث إنّه سبب لحياتهم الأبديّة ، ووجودهم على الوجه المعتدّ به في الآخرة أو لأنّ أكثر العرب كانوا من ذرّيّة إسماعيل ، وأكثر العجم من ولد إسحاق ، فغلّبوا على غيرهم.
(هُوَ) أي : الله سبحانه (سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) من قبل القرآن في الكتب المتقدّمة (وَفِي هذا) وفي القرآن ، أي : سمّاكم بهذا الاسم الأكرم في جميع كتبه المنزلة.
__________________
(١) البقرة : ١٨٥.