جنونه ، وإلّا اقتلوه أو انتظروا موته فتستريحوا منه.
(قالَ) بعد ما يئس من إيمانهم (رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ) بسبب تكذيبهم إيّاي ، أو انصرني بدل ما كذّبوني ، كما يقال : هذا بذاك ، أي : بدل ذاك ومكانه. والمعنى : أبدلني من غمّ تكذيبهم بي سلوة النصرة عليهم. أو انصرني بإنجاز ما وعدتهم من العذاب ، وهو ما كذّبوه فيه حين قال لهم : (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (١).
(فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا) بمرأى منّا وبحفظنا تحفظ. وذكر الجمع للمبالغة في الحفظ ، كأنّ معه من الله حفّاظا يكلؤونه بعيونهم ، لئلّا يتعرّض له ، ولا يفسد عليه مفسد عمله ، أو لا تخطئ فيه. ومنه قولهم : عليه من الله عين كالئة. (وَوَحْيِنا) وأمرنا وتعليمنا كيف تصنع. روي أنّه أوحى إليه أن يصنعها على مثال جؤجؤ (٢) الطائر ، فصنعها كما أمر.
(فَإِذا جاءَ أَمْرُنا) بالركوب ، أو بنزول العذاب (وَفارَ التَّنُّورُ) أصله : ونوّر ، قلبت الواو تاء ، كما في تراث وتولج (٣) وتيقور وتخمة وتكلة (فَاسْلُكْ فِيها) فأدخل فيها. يقال : سلك فيه وسلك غيره. ومنه قوله تعالى : (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) (٤). (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ) من كلّ أمّتي زوجين. وهما : أمّة الذكر وأمّة الأنثى ، كالجمال والنوق ، والحصن والرّماك (٥). (اثْنَيْنِ) واحدين مزدوجين ، كالجمل والناقة ، والحصان والرمكة. وقرأ حفص : من كلّ بالتنوين ، أي : من كلّ نوع زوجين ، و «اثنين» تأكيد
__________________
(١) الشعراء : ١٣٥.
(٢) الجؤجؤ من الطائر والسفينة : الصدر.
(٣) التولج : كناس الوحش أي : بيته. وأصله : الوولج. والتيقور : الوقار. وأصله ويقور ، قلبت الواو ياء. والتخمة : الداء يصيب الإنسان من الطعام الوخيم. وأصلها : الوخمة. والتكلة : العاجز الذي يكل أمره إلى غيره ويتّكل عليه.
(٤) المدّثّر : ٤٢.
(٥) الرماك جمع الرمكة ، وهي الفرس تتّخذ للنسل.