إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ) (١) (قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ) (٢) ، وها هنا مع الواو ، لأنّ الّذي بغير واو على تقدير سؤال سائل قال : فما قال قومه؟ فقيل له : قالوا : كيت وكيت ، والّذي مع الواو فهو عطف لما قالوه على ما قاله. ومعناه : أنّه اجتمع في الحصول هذا الحقّ وهذا الباطل ، وشتّان ما بينهما.
(وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ) بلقاء ما فيها من الثواب والعقاب ، أو بمعادهم إلى الحياة الثابتة بالبعث (وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) ونعّمناهم بضروب الملاذّ ، من كثرة الأموال النفيسة والأولاد الرشيدة (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) في الصفة والحالة. ثمّ بيّنوا المثليّة بقولهم : (يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) فليس هو أولى بالرسالة منّا. والعائد إليه محذوف ، أي : من الّذي تشربونه ، أو تشربون منه.
وهذا الكلام منهم لإنكارهم أن يكون الرسول من جنس البشر. ولتقريرهم أنّه لا بدّ أن يكون من المماثلة قالوا تأكيدا لإنكارهم : (وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ) فيما يأمركم به (إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) حيث أذللتم أنفسكم وغبنتم في آرائكم. و «إذا» جزاء للشرط ، وجواب للّذين قاولوهم من قومه.
ثمّ أنكروا ما قال لهم من وقوع البعث ، فقالوا : (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً) مجرّدة عن اللحوم والأعصاب (أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) من القبور ، أو من العدم تارة اخرى إلى الوجود. و «أنّكم» تكرير للأوّل للتأكيد ، لمّا طال الفصل بينه وبين خبره. أو «أنّكم مخرجون» مبتدأ ، وخبره الظرف المقدّم.
(هَيْهاتَ هَيْهاتَ) اسم فعل بمعنى : بعد. وتكريره للتأكيد. ومن حقّه أن يرتفع اسم بعده ليكون فاعلا له ، كما ارتفع في قوله (٣) : فهيهات هيهات العقيق وأهله. ولا يجوز
__________________
(١) الأعراف : ٦٦.
(٢) هود : ٥٣.
(٣) لجرير. وعجزه : وهيهات خلّ بالعقيق نواصله