مستمرّا (مِنْ مالٍ وَبَنِينَ) بيان لـ «ما». وليس خبرا له ، فإنّه غير معاتب عليه ، وإنّما المعاتب عليه اعتقادهم أنّ ذلك خير لهم. فخبره قوله : (نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ) والراجع محذوف ، كما في قولهم : السمن منوان بدرهم ، أي : يحسبون أنّ الّذي نمدّهم به نسارع به لهم فيها فيه خيرهم وإكرامهم. والهمزة للإنكار عمّا يحسبون.
والمعنى : أنّ هذا الإمداد ليس إلّا استدراجا لهم إلى المعاصي ، واستجرارا إلى زيادة الإثم ، وهم يحسبونه مسارعة لهم في الخيرات ، وفيما لهم فيه نفع وإكرام ، ومعاجلة بالثواب قبل وقته.
(بَلْ لا يَشْعُرُونَ) استدراك لقوله : «أيحسبون». يعني : بل هم كالبهائم ، لا فطنة لهم ولا شعور ، ليتأمّلوا أنّ ذلك استدراج لا مسارعة في الخير.
روى السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام ، عن أبيه ، عن آبائه عليهمالسلام قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ الله تعالى يقول : يحزن عبدي المؤمن إذا اقترت عليه شيئا من الدنيا ، وذلك أقرب له منّي ، ويفرح إذا بسطت له الدنيا ، وذلك أبعد له منّي. ثمّ تلا هذه الآية إلى قوله : «بل لا يشعرون». ثمّ قال : إنّ ذلك فتنة لهم».
ثمّ بيّن حال الأخيار الأبرار بعد بيان أحوال الكفّار الفجّار ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ) من خوف عذابه (مُشْفِقُونَ) حذرون ، فيفعلون ما أمرهم به ، وينتهون عمّا نهاهم عنه.
(وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ) المنصوبة والمنزلة (يُؤْمِنُونَ) بتصديق مدلولها.
(وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ) شركا جليّا ولا خفيّا.
(وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا) يعطون ما أعطوه من الصدقات المفروضة والمندوبة.
وقيل : أعمال البرّ كلّها. (وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) خائفة أن لا يقبل منهم ، وأن لا يقع على الوجه اللائق ، فيؤاخذوا به (أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ) أي : لإيقانهم بأنّهم. أو لأنّهم راجعون إلى الله وجلت قلوبهم.