الوقت أهمّ وجب التقديم.
(وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ) أي : هلّا قالوا : هذا القول كذب ظاهر ، تصريحا ببراءة ساحة إخوانهم المؤمنين منهم ، وتكذيبا لقاذفيهم ، كما يقول المستيقن المطّلع على الحال. والخطاب لمن سمعه فسكت ولم يصدّق ولم يكذّب.
وقيل : هو خطاب لمن أشاعه. والمعنى : هلّا إذا سمعتم هذا الحديث ظننتم بها ما تظنّون بأنفسكم لو خلوتم بها. وذلك لأنّها كانت أمّ المؤمنين ، ومن خلا بأمّه فإنّه لا يطمع فيها وهي لا تطمع فيه. وهذا من الأدب الحسن الّذي قلّ القائم به والحافظ له.
و «لو لا» هذه للتحضيض. وكذا في قوله : (لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ) أي : هلّا جاؤا على ما قالوه من القذف (بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) يشهدون بما قالوه (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ) فحين لم يأتوا بالشهداء (فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ) أي : في حكمه (هُمُ الْكاذِبُونَ). هذا الكلام التحضيضي أيضا من جملة المقول تقريرا لكونه كذبا ، فإنّ ما لا حجّة عليه مكذّب في حكم الله ، ولذلك رتّب الحدّ عليه.
(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) «لو لا» هذه لامتناع الشيء لوجود غيره. والمعنى : لو لا أنّي قضيت أن أتفضّل عليكم في الدنيا بأنواع النعم الّتي من جملتها الإمهال للتوبة ، وأن أترحّم عليكم في الآخرة بالعفو والمغفرة المقدّرين لكم (لَمَسَّكُمْ) عاجلا (فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ) خضتم من حديث الإفك. يقال : أفاض في الحديث واندفع وهضب (١) وخاض. (عَذابٌ عَظِيمٌ) شديد لا انقطاع له ، بحيث يستحقر دونه اللوم والجلد.
ثمّ ذكر الوقت الّذي كان يصيبهم العذاب فيه لو لا فضله ، فقال : (إِذْ) ظرف لـ «مسّكم» أو «أفضتم» (تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ) يأخذه ويرويه بعضكم عن بعض بالسؤال
__________________
(١) هضب القوم في الحديث : أفاضوا فيه ، وارتفعت أصواتهم.