عنه. يقال : تلقّى القول وتلقّفه وتلقّنه.
(وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ) أي : وتقولون كلاما مختصّا بالأفواه ، بلا مساعدة من القلوب (ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) لأنّه ليس تعبيرا عن علم به في قلوبكم ، كقوله : (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) (١).
(وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً) سهلا لا تبعة له (وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ) في الوزر واستجرار العذاب. وصفهم بارتكاب ثلاثة آثام مترتّبة ، وعلّق بها مسّ العذاب العظيم : تلقّي الإفك بألسنتهم ، والتحدّث بما لا علم لهم به ، واستصغار هم لذلك وهو عند الله عظيم.
ثمّ زاد سبحانه في الإنكار عليهم ، فقال : (وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ) هلّا قلتم حين سمعتم ذلك الحديث (ما يَكُونُ لَنا) ما ينبغي وما يصحّ لنا (أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا) بهذا القول المخصوص أو نوعه ، فإنّ قذف آحاد الناس محرّم شرعا ، فضلا عن تعرّض زوجة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وحرمة الحريمة.
(سُبْحانَكَ) ربّنا ، تعجّب ممّن يقول ذلك. وأصله أن يذكر عند كلّ متعجّب تنزيها لله تعالى من أن يصعب عليه مثله ، ثمّ كثر استعماله لكلّ متعجّب. أو تنزيه لله من أن تكون حرمة نبيّه فاجرة ، فإنّ فجورها ينفّر الناس عنه ، وهذا مخلّ بالبعثة والتبليغ ، بخلاف كفرها ، فإنّ الأنبياء بعثوا ليدعوهم ، وهم يعظّمونهم وينقادون لما أرسلوا له ، ويميلون إليهم ، ويقبلون عليهم بالقلب ، فيجب أن لا يكون معهم ما ينفّرهم عنهم ، ولم يكن الكفر عندهم ممّا ينفرّهم ، وأمّا الكشخنة (٢) ـ والعياذ بالله ـ فمن أعظم المنفّرات.
والسبحلة تكون تقريرا لما قبلها ، وتمهيدا لقوله : (هذا) الّذي قالوه (بُهْتانٌ) كذب وزور (عَظِيمٌ) عقابه ، لعظمة المبهوت عليه ، فإنّ حقارة الذنوب وعظمها باعتبار متعلّقاتها.
__________________
(١) آل عمران : ١٦٧.
(٢) الكشخنة : الدياثة. والكشخان : الّذي امرأته فاجرة.