ثمّ أمر الموالي بكتابة عبادهم وإمائهم ، الّتي يوجب الاستقلال بالزواج والاستبداد بالنكاح ، فقال : (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ) يطلبون المكاتبة ، كالعتاب والمعاتبة. وهو أن يقول الرجل لمملوكه : كاتبتك على كذا إلى كذا. وإن قال : فإن عجزت فأنت رقّ ، فهي مشروطة. وحكم الأولى أنّه يتحرّر منه بقدر ما يؤدّي. وحكم الثانية أنّه رقّ ما بقي عليه شيء واشتقاقه من الكتاب ، لأنّ السيّد كتب على نفسه عتقه إذا أدّى ، فإنّ معنى «كاتبتك» كتبت لك على نفسي أن تعتق منّي إذا وفيت بالمال ، وكتبت لي على نفسك أن تفي بذلك. أو كتبت عليك الوفاء بالمال ، وكتبت عليّ العتق. أو لأنّه ممّا يكتب لتأجيله.
أو من الكتب بمعنى الجمع ، لأنّ العوض فيه يكون منجّما بنجوم يضمّ بعضها إلى بعض غالبا.
(مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) عبدا كان أو أمة. والموصول بصلته مبتدأ خبره (فَكاتِبُوهُمْ) كقولك : زيد فاضربه ، أي : زيد مقول في حقّه : اضربه. أو منصوب بفعل يفسّره «فكاتبوهم». كقولك : زيدا فاضربه. ودخلت الفاء لتضمّن معنى الشرط. والأمر للندب عندنا وعند العامّة. (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) أمانة وقدرة على أداء مال الكتابة بالاكتساب. وقد روي مثله (١) مرفوعا. ولو لم يكن العبد أمينا ولا كسبوا فهي مباحة.
روي : أنّ عبد سلمان قال له : كاتبني؟ قال : ألك مال؟ قال : لا. قال : تطعمني أوساخ الناس ، فأبى عليه.
وقيل : صلاحا في الدين ، إذ الكافر لا خير فيه ، ولأنّه يعطى من الزكاة ، والكافر لا يعطى منها. ولا يرد : المؤلّف قلبه ، إذ إعطاؤه لغرض التقوّي به على الجهاد. والمراد بالعلم هنا الظنّ المتاخم للعلم.
(وَآتُوهُمْ) أيّها الموالي (مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ) مال الزكاة الّذي فرض الله
__________________
(١) أي : ورد تفسير الخبر بالأمانة والقدرة على الأداء في خبر مرفوع.