عليها ، وذلك أجود لكمامها ، وأصفى لدهنها. وفي الحديث : «لا خير في شجرة ولا نبات في مفيأة ، ولا خير فيهما في مضحى».
(يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) تصبه أي : يكاد يضيء بنفسه من غير نار ، لتلألئه وفرط وبيصه (١) (نُورٌ عَلى نُورٍ) نور متضاعف ، فإنّ نور المصباح زاد في إنارته صفاء الزيت ، وزهرة القنديل ، وضبط المشكاة لأشعّته ، فتناصر فيه المشكاة والزجاجة والمصباح والزيت ، حتّى لم تبق ممّا يقوّي النور ويزيده إشراقا ويمدّه بإضاءة بقيّة. وذلك أنّ المصباح إذا كان في مكان متضائق كالمشكاة ، كان أضوأ له وأجمع لنوره ، بخلاف المكان الواسع ، فإنّ الضوء ينبثّ فيه وينتشر ، والقنديل أعون شيء على زيادة الإنارة ، وكذلك الزيت وصفاؤه.
وقد ذكر في معنى التمثيل وجوه :الأوّل : أنّه تمثيل للهدى الّذي دلّ عليه الآيات المبيّنات ، في جلاء مدلولها وظهور ما تضمّنته من الهدى ، بالمشكاة المنعوتة.
والثاني : تشبيه للهدى ، من حيث إنّه محفوف بظلمات أوهام الناس وخيالاتهم ، بالمصباح. وإنّما ولي الكاف المشكاة لاشتمالها عليه.
والثالث : تمثيل لما نوّر الله به قلب المؤمن من المعارف والعلوم بنور المشكاة المنبثّ فيها من مصباحها. ويؤيّده قراءة أبيّ : مثل نور المؤمن.
يعني : النور مثل ضربه الله للمؤمن. فالمشكاة نفسه ، والزجاجة صدره ، والمصباح الإيمان ، والقرآن في قلبه يوقد من شجرة مباركة ، هي الإخلاص لله وحده لا شريك له.
فهي خضراء ناعمة ، كشجرة التفّ بها الشجر ، فلا يصيبها إحراق الشمس وآفتها وأذيّتها على أيّ حال كانت ، لا إذا طلعت ، ولا إذا غربت. وكذلك المؤمن قد احترز من أن يصيبه شيء من الفتر (٢). فهو بين أربع خلل : إن أعطي شكر ، وإن ابتلي صبر ، وإن حكم
__________________
(١) الوبيص : البريق واللمعان.
(٢) الفتر : الضعف والفتور.