هو في معنى الكفّ ، فقال : (ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا) أي : أنزلناه بإيقاع الشمس موقعه (قَبْضاً يَسِيراً) قليلا قليلا حسبما ترتفع الشمس ، لينتظم بذلك مصالح الكون ، ويتحصّل به ما لا يحصى من منافع الخلق. ولو قبض دفعة واحدة لتعطّلت مرافق الناس بالظلّ والشمس جميعا.
و «ثمّ» في الموضعين لبيان تفاضل الأمور الثلاثة ، فإنّ الثاني أعظم من الأوّل ، والثالث أعظم منهما ، تشبيها لتباعد ما بينهما في الفضل بتباعد ما بين الحوادث في الوقت.
وقيل : حدّ الظلّ حين بنى السماء كالقبّة المضروبة بلا نيّر ، ودحا الأرض تحتها ، فألقت القبّة ظلّها على الأرض ، ولو شاء لجعله ساكنا ثابتا على تلك الحالة. ثمّ خلق الشمس عليه دليلا ، أي : سلّطها عليه ونصبها دليلا مستتبعا إيّاه ، كما يستتبع الدليل المدلول ، فهو يزيد بها وينقص ، ويمتدّ ويتقلّص. ثمّ نسخه بها ، فقبضه قبضا سهلا يسيرا غير عسير ، إلى أن تنتهي غاية نقصانه. أو يريد قبضه عند قيام الساعة بقبض أسبابه ، وهي الأجرام الّتي تبقي الظلّ. فيكون قد ذكر إعدامه بإعدام أسبابه ، كما ذكر إنشاءه بإنشاء أسبابه. وفي قوله : «قبضناه إلينا» دلالة عليه. وكذلك في قوله : «يسيرا» ، كقوله : (ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ) (١).
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً) شبّه ظلامه باللباس في ستره ، أي : غطاء ساترا للأشياء بالظلام ، كاللباس الّذي يشتمل على لابسه.
(وَالنَّوْمَ سُباتاً) راحة للأبدان بقطع المشاغل. وأصل السبت القطع. أو موتا ، كقوله : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) (٢) لأنّه قطع الحياة. ومنه : المسبوت للميّت.
(وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً) ذا نشور ، أي : انتشار ينتشر فيه الناس للمعاش ، أو
__________________
(١) ق : ٤٤.
(٢) الأنعام : ٦٠.