عن ابن عبّاس : أنّ أبا جهل سمع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : يا الله يا رحمن ، فقال : إنّه ينهانا أن نعبد إلهين ويدعو إلها آخر.
وقيل : إنّ أهل الكتاب قالوا : إنّك لتقلّ ذكر الرحمن ، وقد أكثر الله في التوراة هذا الاسم ، فنزلت : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ). «أو» على الأوّل (١) للتسوية بين إطلاق اللفظين على المعبود. وعلى الثاني (٢) أنّهما سيّان في حسن الإطلاق والإفضاء إلى المقصود. وعلى التقديرين «أو» للتخيير والإباحة ، أي : إن دعوتم بأحدهما كان جائزا ، وإن دعوتم بهما كان جائزا ، كما قال : (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى).
والدعاء في الآية بمعنى التسمية لا النداء. وهو يتعدّى إلى مفعولين ، تقول : دعوته زيدا ، حذف أولهما استغناء عنه ، فيقال : دعوت زيدا. والتنوين في «أيّا» عوض عن المضاف إليه. و «ما» صلة لتأكيد ما في «أيّا» من الإبهام ، أي : أيّ هذين الاسمين سمّيتم وذكرتم فله الأسماء الحسنى. والضمير في «فله» لمسمّاهما ، وهو ذاته تعالى ، لأنّ التسمية للذات لا للاسم. وكأنّ أصل الكلام : أيّا ما تدعو فهو حسن. فوضع موضعه (فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) للمبالغة ، لأنّه إذا حسنت أسماؤه كلّها حسن هذان الاسمان ، لأنّهما منها.
ومعنى كونها أحسن الأسماء أنّها مستقلّة بمعاني التمجيد والتقديس والتعظيم ، وغيرها من صفات الجلال والإكرام.
فبيّن سبحانه في هذه الآية أنّه سبحانه شيء واحد ، وإن اختلفت أسماؤه وصفاته.
وفيه دلالة على أنّه سبحانه لا يفعل القبيح ، مثل الظلم وغيره ، لأنّ أسماءه حينئذ لا تكون حسنة.
روي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يرفع صوته بقراءة القرآن ، فإذا سمعها المشركون لغوا وسبّوا ، وكان ذلك في أوّل أمر الإسلام ، فنزلت : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) بقراءة
__________________
(١ ، ٢) أي : على قول أبي جهل وقول أهل الكتاب.