صلاتك حتّى تسمع المشركين ، فإنّ ذلك يحملهم على السبّ واللغو فيها (وَلا تُخافِتْ بِها) حتّى لا تسمع من خلفك من المؤمنين (وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ) بين الجهر والمخافتة (سَبِيلاً) وسطا ، فإنّ الاقتصاد في جميع الأمور محبوب. ولم يقل : بين ذينك ، لأنّه أراد به الفعل ، فهو مثل قوله : (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) (١).
وقيل : معناه : ولا تجهر بصلاتك كلّها ، ولا تخافت بها بأسرها ، وابتغ بين ذلك سبيلا ، بالإخفات نهارا والجهر ليلا.
(وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) فيكون مربوبا لا ربّا ، لأنّ ربّ الأرباب لا يجوز أن يكون له ولد (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) في الألوهيّة ، فيكون عاجزا محتاجا إلى غيره ليعينه ، وهذا مناف للألوهيّة (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِ) أي : ناصر يواليه من أجل مذلّة به ليدفعها بموالاته.
نفى عنه أن يكون له ما يشاركه من جنسه ومن غير جنسه ، اختيارا واضطرارا ، وما يعاونه ويقوّيه ، تعالى الله عن صفة العجز والاحتياج. ورتّب الحمد عليه للدلالة على أن من هذا وصفه هو الّذي يقدر على إيلاء كلّ نعمة ، فهو الّذي يستحقّ جنس الحمد ، لأنّه الكامل الذات ، المنفرد بالإيجاد ، المنعم على الإطلاق ، وما عداه ناقص مملوك نعمة أو منعم عليه. ولذلك عطف عليه قوله : (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) وعظّمه تعظيما لا يساويه تعظيم ولا يقاربه.
وفيه تنبيه على أنّ العبد وإن بالغ في التنزيه والتمجيد ، واجتهد في العبادة والتحميد ، ينبغي أن يعترف بالقصور عن حقّه في ذلك.
وفي هذه الآية ردّ على اليهود والنصارى حيث قالوا : اتّخذ الله الولد ، وعلى مشركي العرب حيث قالوا : لبّيك لا شريك لك إلّا شريكا هو لك ، وعلى الصابئين والمجوس حيث قالوا : لو لا أولياء الله لذلّ الله.
__________________
(١) البقرة : ٦٨.