حافظا أبدانها عن التحلّل والتفتّت ، ثمّ أرسلها إليها ، قدر أن يتوفّى نفوس جميع الناس ، ممسكا إيّاها إلى أن يحشر أبدانهم فيردّها عليها.
(إِذْ يَتَنازَعُونَ) ظرف لـ «أعثرنا» أي : أعثرنا عليهم حين يتنازعون (بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ) أمر دينهم ، وكان بعضهم يقول : تبعث الأرواح مجرّدة ، وبعضهم يقول : يبعثان معا ، ليرتفع الخلاف ، ويتبيّن أنّهما يبعثان معا كما كانت قبل الموت. أو أمر الفتية حين أماتهم الله ثانيا بالموت ، فقال بعضهم : ماتوا ، وقال آخرون : ناموا نومهم أوّل مرّة. أو قالت طائفة : نبني عليهم بنيانا يسكنه الناس ويتّخذونه قرية ، وقال آخرون : لنتّخذنّ عليهم مسجدا يصلّى فيه ، كما قال عزّ اسمه : (فَقالُوا) أي : بعضهم (ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً) أي : على باب الكهف ، لئلّا يتطرّق إليهم الناس ضنّا بتربتهم ، ومحافظة عليها ، كما حفظت تربة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بالحظيرة.
وقوله : (رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ) معترض بينه وبين قوله : (قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا) أي : أطّلعوا (عَلى أَمْرِهِمْ) يعني : الملك وأصحابه المؤمنين بالله (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) متعبّدا للعبادة. والاعتراض إمّا من الله ردّا على الخائضين في أمرهم من أولئك المتنازعين. أو من المتنازعين فيهم على عهد الرسول. أو من المتنازعين للردّ إلى الله بعد ما تذاكروا أمرهم ، وتناقلوا الكلام في أنسابهم وأحوالهم ، فلم يتحقّق لهم ذلك.
وتفصيل هذه القصّة على ما قاله المفسّرون : أنّ أهل الإنجيل عظمت فيهم الخطايا ، وطغت ملوكهم حتّى عبدوا الأصنام وأكرهوا على عبادتها. وممّن شدّد في ذلك دقيانوس ، فأراد أن يحمل فئة من أشراف قومه على الشرك ، وتوعّدهم بالقتل ، فأبوا إلّا الثبات على الإيمان والتصلّب فيه ، ثمّ هربوا من ملكهم ودخلوا الكهف ، فاطّلع الملك على مكانهم ، فأمر أن يسدّ عليهم باب الكهف ، ويدعوهم كما هم في الكهف يموتوا عطشا وجوعا ، وليكن كهفهم الّذي اختاروا قبرا لهم ، وهو يظنّ أنّهم أيقاظا.
ثمّ إنّ رجلين مؤمنين كتبا شأن الفتية وأنسابهم وأسماءهم وخبرهم في لوح من رصاص ، وجعلاه في تابوت من نحاس ، وجعلا التابوت في البنيان الّذي بنوا على باب