...............................................
__________________
مختصّا فى اللفظ ؛ فإن إقامته إذ ذاك أولى من إقامة ما عدا المفعول به المسرّح ؛ نحو قولك : سير بزيد يوم الجمعة أمام عمرو سير شديد ، فرفع «سير» وترك ما عداه على حاله أولى من إقامة المجرور أو أحد الظرفين.
ومثال إقامة الأول فى باب «أعطيت» أعطى زيد درهما ، وقد يجوز أن يقال : أعطى درهم زيدا ، فيقام الثانى ، والمعنى واحد ، ومن النحويين من يزعم أنك ، إذا أقمت الثانى ، انعكس المعنى ، وكأنك جعلت زيدا هو المعطى للدرهم مجازا ؛ وذلك باطل ؛ لأنه لم يحوج إلى ذلك شىء ، وإنما حملهم على ذلك : أنهم رأوا قدماء النحويين قد حملوا : أدخل القبر زيدا على القلب ، فتوهموا أن الموجب لذلك كون المقام ـ مقام الفاعل ـ هو الثانى ، وليس الأمر كذلك ؛ بل الذى أوجب ادعاء القلب فى قولك : أدخل القبر زيدا : أن قولك : أدخلت زيدا القبر ، من قبيل ما اجتمع فيه مفعولان ، أحدهما مسرح ، والآخر مقيّد ؛ لأن دخل لا يتعدى إلى القبر وأمثاله إلا بنية حرف الجر ، والأصل : أدخلت زيدا فى القبر.
وإذا اجتمع المقيد فى التقدير مع المسرح لفظا وتقديرا فإنّما يقام المسرح ، فلو لا القلب ، لما جاز إقامة القبر ؛ لأنه إذا قلت : أدخل القبر زيدا ، صار القبر هو المسرح وزيد المقيد ؛ فكأنك قلت ؛ أدخلت القبر فى زيد ، وما ذكرته من جواز إقامة أى المفعولين شئت فى باب «أعطيت» إنما ذلك مع أمن اللبس ، فإن لم يؤمن اللبس ، لم يقم إلا الأول ؛ نحو قولك : أعطى عمرو بكرا زيدا ، لا يجوز إلا إقامة بكر فتقول أعطى بكر زيدا ، لا يجوز أن تقول : أعطى زيد بكرا ، على معنى : أعطى بكر زيدا ؛ بل إن قلت ذلك ، كان المعنى على إعطاء بكر لزيد.
ومثال إقامة الأول فى باب «ظننت» : ظن زيد قائما ، ومثال إقامة الثانى فيه : ظن قائم زيدا ، والمعنى واحد فى الحالين.
ومثال إقامة الأول فى باب «أعلم» : أعلم زيد بكرا منطلقا ، وإنما لم يجز فى باب أعلم إلا إقامة الأول ؛ لأنه مفعول صحيح ، وأما الثانى والثالث فهما مبتدأ وخبر فى الأصل ، وإنما نصبا بالتشبيه بمفعولى أعطيت ، وإلا فحق الجمل ألّا يغيرها العامل ، فلما اجتمع المفعول الصحيح مع ما ليس كذلك ، لم يجز إقامة سواه ، هذا هو القياس عندى ؛ وبه ورد السماع قال : [من الخفيف]
أو منعتم ما تسألون فمن حد |
|
ثتموه له علينا العلاء |
[ينظر البيت للحارث بن حلزة فى ديوانه ص ٢٧ ، وتخليص الشواهد ص ٤٦٨ ، والدرر ٢ / ٢٨٠ ، شرح التصريح ١ / ٢٦٥ ، وشرح القصائد السبع ص ٤٦٩ ، وشرح القصائد العشر ص ٣٨٧ ، وشرح المعلقات السبع ص ٢٢٥ ، وشرح المعلقات العشر ص ١٢٢ ، وشرح المفصل ٧ / ٦٦ ، والمعانى الكبير ٢ / ١٠١١ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٤٥ ، وبلا نسبة فى تذكرة النحاة ص ٦٨٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٣٣ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٥٣ ، وهمع الهوامع ١ / ١٥٩].