«تراك فنتركك» (١) ، وإن لم تكن من لفظه ، لم يجز ذلك ؛ لا يقال : بله زيدا ، فيكرمك.
ومن قال : بله زيد ، فخفض لم يجعله اسم فعل ، بل هو مصدر مضاف موضوع موضع الفعل ؛ كأنّه قال : ترك زيد ، أى : اترك زيدا ؛ فيكون بمنزلة قوله تعالى : (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ)(٢) [محمد : ٤].
وقد يجعلون للأفعال أسماء فى الخبر ، إلا أنّ ذلك قليل ، ومنه أفّ منوّنة وغير منوّنة ، أى : أتضجّر ، وأوّه ، أى : أتوجّع ، وشتّان ، بكسر النون وفتحها ، بمعنى : تباعد ؛ ومن ذلك قوله [من السريع] :
٨٣ ـ شتّان ما يومى على كورها |
|
ويوم حيّان أخى جابر (٣) |
كأنّه قال : تباعد يومى ويوم حيّان ، أى : تباعد ما بينهما.
وهيهات ، بفتح التاء وكسرها وضمها ، منونة وغير منونة ، بمعنى : بعد ، ومنها
__________________
(١) م : وقولى : «إلا أن تكون من لفظ الفعل ؛ نحو قولك : تراك فنتركك» إنما جاز ذلك إذا كان من لفظ الفعل ، لأن فيه دلالة على المصدر ، فتكون «أن» المضمرة بعد الفاء مع الفعل الذى نصبته ـ معطوفة على المصدر الذى دل عليه اسم الفعل بلفظه ، وإذا لم يكن اسم الفعل من لفظ الفعل ، لم يكن فيه دلالة على المصدر ، فلم يجز النصب لذلك ، فتقول : صه نكرمك ولا يجوز فنكرمك. أه.
(٢) م : وقولى : «فيكون بمنزلة قوله تعالى : (فَضَرْبَ الرِّقابِ ...) [محمد : ٤]» إن قال قائل : هلا لم يجز إضافة ضرب إلى ما بعده ؛ لأنه قائم مقام الفعل ، فالجواب ، أن ذلك إنما ساغ ولم يسغ فى نزال ؛ لأن «ضربا» مصدر فى الأصل ، وليس باسم فعل ؛ فصحت إضافته لذلك ؛ لأنه لم يجعل اسم فعل إلا بعد استقرار الإضافة فيه ، وليس كذلك نزال ؛ لأنه وضع فى أول أحواله على أن يكون اسم فعل. أه.
(٣) البيت للأعشى.
والشاهد فيه قوله : «وشتان ما يومي ويوم حيان» فـ «شتان» اسم فعل ماض بمعنى افترق وقد رفع فاعلا كما كان يرفعه فعل «افترق» ، وزاد «ما» بين اسم الفعل وفاعله.
ينظر : ديوانه ص ١٩٧ ، وأدب الكاتب ص ٤٠٣ ، وإصلاح المنطق ص ٢٨٢ ، وخزانة الأدب ٦ / ٢٧٦ ، ٣٠٣ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٠٦ وشرح المفصل ٤ / ٣٧ ، ولسان العرب (شتت) وبلا نسبة في شرح شذور الذهب ص ٥١٨ ، وشرح المفصل ٤ / ٦٨ ، والصاحبي في فقه اللغة ص ١٥٥.