فأدنى ليس بمصدر ؛ ولذلك وصل الفعل إليه بلم العلّة ؛ نحو قوله [من الطويل] :
٩٨ ـ فجئت وقد نضت لنوم ثيابها |
|
لدى السّتر لبسة المتفضّل (١) |
__________________
وأجاب البصريون بأن هذا الاستدلال إنما يصح إذا كان هذا البيت من باب التنازع وليس منه لفساد المعنى ، وبيانه مبنى على مقدمة وهي : أن «لو» تنفي شرطها وجزاءها ، سواء كانا مثبتين أو منفيين فإن كانا مثبتين وجب انتفاؤهما نحو : لو كان لي مال لحججت به. فالحج ووجود المال منفيان. وإن كانا منفيين وجب ثبوتهما لأن نفي النفي إثبات نحو : لو لم تزرني لم أكرمك. فالزيارة والإكرام مثبتان.
وإن كان أحدهما مثبتا دون الآخر وجب ثبوت المنفي ، وانتفاء المثبت نحو : لو لم تشتمني أكرمتك ولو شتمتني لم أكرمك.
فرجعنا إلى بيان فساد معنى البيت لو كان من التنازع فنقول : أوله : فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة. وقوله : «أن ما أسعى لأدنى معيشة» شرط «لو» أي : لو ثبت أن سعيى لأدنى معيشة ، فيكون المعنى : لم يثبت أن سعيى لأدنى معيشة ، أي أن طلبى لقليل من المال وقوله : كفاني جزاء «لو» وقوله «لم أطلب قليل من المال» عطف عليه ، فيكون حكمه حكم الجواب ، فيكون عدم طلب قليل من المال منتفيا أي ثبت أن طلبي لقليل من المال ، وهو إثبات لما نفاه بعينه في المصراع الأول فيكون تناقضا ، فيفسد المعنى من وجهين : أحدهما : أنه لو أعمل الثاني لكان التقدير فيه كفاني قليل ولم أطلب قليلا من المال وهذا متناقض لأنه يخبر تارة بأن سعيه ليس لأدنى معيشة ، وتارة يخبر بأنه يطلب القليل وذلك متناقض. والثاني أنه قال في البيت الذي بعده : «ولكنما أسعى» .. فلهذا أعمل الأول ولم يعمل الثاني.
ينظر : ديوانه ص ٣٩ ، والإنصاف ١ / ٨٤ ، وتذكرة النحاة ص ٣٣٩ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٢٧ ، ٤٦٢ ، والدرر ٥ / ٣٢٢ ، وشرح شذور الذهب ص ٢٩٦ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٤٢ ، ٢ / ٦٤٢ ، وشرح قطر الندي ص ١٩٩ ، والكتاب ١ / ٧٩ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٥ ، وهمع الهوامع ٢ / ١١٠ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ٢٠١ ، ٣ / ٦٠٢ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٨٠ ، ومغني اللبيب ١ / ٢٥٦ ، والمقتضب ٤ / ٧٦.
(١) البيت لامرئ القيس
وفي البيت شاهدان ، أولهما قوله : «لنوم» حيث جره بلام التعليل ولم ينصبه على المفعول لأجله ؛ لأن «النوم» وإن كان علة لخلع الثياب ، فإن وقت الخلع قبل وقته ، فلما اختلفا في الوقت جر باللام.
وثانيهما قوله : «وقد نضت» حيث جاء الماضي المثبت المتصرف غير التالي «إلا» العاري من الضمير الواقع حالا ، جاء مقترنا بـ «الواو» و «قد».
ينظر : الدرر ٣ / ٧٨ ، شرح شذور الذهب ص ٢٩٧ ، شرح عمدة الحافظ ص ٤٥٣ ، ولسان العرب (نضا) ، وشرح الأشموني ١ / ٢٠٦ ، وشرح قطر الندى ص ٢٢٧ ، وهمع الهوامع ١٠ / ١٩٤ ، ٢٤٧.