قولك : «ما رأيته مذ أنّ الله خلقه» ، أى : مذ خلق الله إياه ، ويكون خلق الله بمنزلة خفوق النجم.
وللاسم الواقع بعدهما ، فيه ، إن كان / عددا ، مذاهب للعرب : فمنهم من لا يعتدّ إلا بالكامل ؛ فلا يقول : «ما رأيته مذ خمسة أيّام» ، إلا وقد انقطعت الرؤية فى جميعها من أولها إلى آخرها.
ومنهم : من يعتد بالأول والآخر ، وإن لم يكونا كاملين.
ومنهم : من يعتد بالناقص للأول ، ولا يعتد بالآخر.
ولا يجوز الاعتداد بالأوّل والآخر إن أدّى ذلك إلى التجوّز فى جميع الواقع بعدهما ؛ لا تقول : «سرت منذ يومين» ، وأنت إنّما سرت بعضهما.
وأمّا «الباء» : فتكون زائدة فى خبر ما ، وليس ، وفاعل كفى (١) ، وفى مفعولها ؛ نحو قوله [من الكامل] :
١٤٨ ـ فكفى بنا فضلا على من غيرنا |
|
حبّ النّبىّ محمّد إيّانا (٢) |
أى : كفانا.
__________________
(١) م : وقولى : «وتكون زائدة فى خبر ما وليس وفاعل كفى» مثال ذلك ما زيد بقائم ، وليس زيد بقائم ، وكفى بالله شهيدا. أه.
(٢) اختلف في نسبة البيت إلى كعب بن مالك ، وبشير عبد الرحمن ، وحسان بن ثابت ، وعبد الله بن رواحة.
وفي البيت شاهدان : أولهما قوله : «فكفى بنا فضلا» حيث جاءت الباء زائدة في مفعول «كفى» المتعدية إلى واحد. وثانيهما قوله : «من غيرنا» حيث جاءت «من» نكرة موصوفة بمفرد ، وهو قوله : «غيرنا» قال الأعلم : الشاهد فيه حمل «غير» على «من» نعتا ، لأنها نكرة مبهمة ، فوصفت بما بعدها وصفا لازما يكون لها كالصلة ، والتقدير : على قوم غيرنا. ورفع «غير» جائز على أن تكون «من» موصولة ، ويحذف الراجع عليها من الصلة ، والتقدير : من هو غيرنا.
ينظر : البيت لكعب بن مالك في ديوانه ص ٢٨٩ ، وخزانة الأدب ٦ / ١٢٠ ، ١٢٣ ، ١٢٨ ، والدرر ٣ / ٧ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥٣٥ ، ولبشير بن عبد الرحمن في لسان العرب (منن) ، ولحسان بن ثابت في الأزهية ص ١٠١ ، ولكعب أو لحسان أو لعبد الله بن رواحة في الدرر ١ / ٣٠٢ ، ولكعب ، أو لحسان ، أو لبشير بن عبد الرحمن في شرح شواهد المغني ١ / ٣٣٧ ، والمقاصد النحوية ١ / ٤٨٦ ، وللأنصاري في الكتاب ٢ / ١٠٥ ، ولسان العرب (كفى) ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٥٢ ، ورصف المباني ص ١٤٩ ،