وعن الحال في نحو : «مررت بهند يضرب زيد».
قال أبو حيّان (١) : «إن عنى التّشبيه في الحذف والحسن ، فليس كذلك لما تقدّم [ذكره] ، وإن عنى في مطلق الحذف فمسلّم».
وقرأ الأعمش (٢) وقتادة : «أفحكم» بفتح الحاء والكاف ، ونصب الميم ، وهو مفرد يراد به الجنس ؛ لأنّ المعنى : أحكّام الجاهليّة ، ولا بدّ من حذف مضاف في هذه القراءة ، هو المصرّح به في المتواترة تقديره : أفحكم حكّام الجاهليّة.
والقرّاء غير ابن عامر على «يبغون» بياء الغيبة نسقا على ما تقدّم من الأسماء الغائبة ، وقرأ (٣) هو بتاء الخطاب على الالتفات ؛ ليكون أبلغ في زجرهم وردعهم ومباكتته لهم ، حيث واجههم بهذا الاستفهام الذي يأنف منه ذوو البصائر.
والمعنى أنّ هذا الحكم الذي يبغونه إنّما يحكم به حكّام الجاهليّة.
فصل
وفي الآية وجهان :
الأول : قال مقاتل (٤) : كان بين قريظة والنّضير دم في الجاهليّة ، فلما بعث النّبيّ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ واحتكموا إليه ، فقال بنو قريظة [يا رسول الله إن](٥) بني النّضير إخواننا ، أبونا واحد وكتابنا واحد ونبيّنا واحد ، فإن قتل بنو النّضير منّا قتيلا ، أعطونا سبعين وسقا من تمر ، وإنّا إن قتلنا واحدا أخذوا منّا مائة وأربعين وسقا ، وأروش جراحاتنا على النّصف من أروش جراحاتهم ، فاقض بيننا وبينهم ، فقال ـ عليهالسلام ـ : «وإنّي أحكم [أنّ دماء القرظي](٦) وفاء من دم النّضري ، والنّضري وفاء من دم القرظي ، ليس لأحدهما فضل على الآخر في دم ولا عقل ولا جراحة». فغضب بنو النّضير وقالوا : لا نرضى بحكمك فإنّك عدوّ (٧) لنا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقيل : إنّهم كانوا إذا وجب الحكم على ضعفائهم ألزموهم إيّاه ، وإذا وجب على أقويائهم لم يأخذوهم به فمنعهم الله من ذلك بهذه الآية.
والثاني : أنّهم يبغون حكم الجاهليّة ، الّتي هي محض الجهل وصريح الهوى.
__________________
(١) ينظر : البحر ٣ / ٥١٦.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٠٣ ، والبحر المحيط ٣ / ٥١٦ ، والدر المصون ٢ / ٥٤٢ والتخريجات النحوية ٢٨٣.
(٣) ينظر : السبعة ٢٤٤ ، والحجة ٢ / ٢٢٨ ، وحجة القراءات ٢٢٨ ، والعنوان ٨٧ ، وشرح الطيبة ٤ / ٢٣٠ ، وشرح شعلة ٣٥١ ، وإتحاف ١ / ٥٣٧.
(٤) ينظر : تفسير الرازي ١٢ / ١٤.
(٥) سقط في أ.
(٦) في أ : القرظي.
(٧) تقدم.