[فإن قيل : أليس أنه تعالى قال في سورة الحاقة : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ)](١) [الحاقة : ٢٥] ، فكيف قال هنا : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ)؟.
فالجواب : أنّه يؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره.
قوله : (فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً) ، أي : ينادي بالويل ، والثبور : الهلاك إذا قرأ كتابه يقول: يا ويلاه يا ثبوراه ، كقوله تعالى : (دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً) [الفرقان : ١٣].
قوله : (وَيَصْلى سَعِيراً) ، قرأ أبو عمرو وحمزة وعاصم : بفتح الياء وسكون الصاد وتخفيف اللام.
والباقون (٢) : بضم الياء وفتح اللام والتثقيل ، وقد تقدم تخريج القراءتين في سورة النساء عند قوله تعالى : (وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) [الآية : ١٠].
وقرأ أبو الأشهب ونافع وعاصم وأبو عمرو (٣) في رواية عنهم : «يصلى» بضم الياء وسكون الصاد من أصلاه.
قوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً).
قال القفال (٤) : منعّما مستريحا من التعب بأداء العبادات ، واحتمال مشقة الفرائض من الصلاة والجهاد ، مقدما على المعاصي ، آمنا من الحساب والعذاب والعقاب ، لا يخاف الله ـ تعالى ـ ولا يرجوه ، فأبدله الله بذلك السرور غما باقيا لا ينقطع.
وقيل : إن قوله : (إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً) ، كقوله تعالى : (وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ) [المطففين : ٣١] ، أي : متنعمين في الدنيا ، معجبين بما هم عليه من الكفر بالله ، والتكذيب بالبعث ، يضحك ممن آمن بالله وصدّق بالحساب ، كما قالصلىاللهعليهوسلم : «الدّنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر» (٥).
قوله : (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ). معنى «يحور» أي : يرجع ، يقال : حار يحور حورا ؛ قال لبيد : [الطويل]
٥١٣٩ ـ وما المرء إلّا كالشّهاب وضوئه |
|
يحور رمادا بعد إذ هو ساطع (٦) |
ويستعمل بمعنى : «صار» ، فيرفع الاسم وينصب الخبر عند بعضهم مستدلا بهذا البيت ، وموضع نصب «رمادا» على الحال.
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) ينظر : السبعة ٦٧٧ ، والحجة ٦ / ٣٩٠ ، وإعراب القراءات ٢ / ٤٥٥ ، وحجة القراءات ٧٥٥.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٤٥٨ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٣٩ ، والدر المصون ٦ / ٤٩٨.
(٤) ينظر : الفخر الرازي ٣١ / ٩٨.
(٥) تقدم تخريجه.
(٦) تقدم.