قوله : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) ، أي : ديوان أعماله بيمينه.
(فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) ، «سوف» من الله واجب ، كقول القائل : اتبعني فسوف تجد خيرا ، فإنه لا يريد الشك ، وإنما يريد تحقيق الكلام ، والحساب اليسير : هو عرض أعماله ، فيثاب على الطاعة ، ويتجاوز عن المعصيّة ، ولا يقال : لم فعلت هذا ، ولا يطالب بالحجّة عليه.
قال صلىاللهعليهوسلم : «من حوسب عذّب» ، قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : أو ليس يقول تعالى : (فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) ، فقال : «إنّما ذلك العرض ، ولكن من نوقش الحساب عذّب» (١).
قوله تعالى : (وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ) في الجنة من الحور العين ، والآدميّات والذريّات إذا كانوا مؤمنين [«مسرورا» أي : مغتبطا قرير العين](٢).
قال ابن الخطيب (٣) : فإن قيل : إنّ المحاسبة تكون بين اثنين ، وليس في القيامة لأحد مطالبة قبل ربّه فيحاسبه؟.
فالجواب : إن العبد يقول : إلهي ، فعلت الطاعة الفلانيّة ، والربّ ـ سبحانه وتعالى ـ يقول : فعلت المعصيّة الفلانيّة ، فكان ذلك من الرب ـ سبحانه وتعالى ـ ومن العبد محاسبة ، والدليل أنه ـ تعالى ـ خصّ الكفّار بأنه لا يكلمهم ، فدل ذلك على أنه يكلم المطيعين ، فتلك المكالمة محاسبة.
قوله : «مسرورا» : حال من فاعل «ينقلب».
وقرأ زيد (٤) بن علي : «يقلب» مبنيا للمفعول من «قلبه» ثلاثيا.
قوله : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ).
قيل : نزلت في الأسود بن عبد الأسود. قاله ابن عباس. وقيل : عامة.
وقال الكلبيّ : لأن يمينه مغلولة إلى عنقه ، ويجعل يده اليسرى ممدودة وراء ظهره (٥).
وقيل : يحوّل وجهه إلى قفاه ، فيقرأ كتابه كذلك.
وقيل : يؤتى كتابه بشماله من ورائه ؛ لأنه إذا حاول أخذه بيمينه كالمؤمنين منع من ذلك ، وأوتي كتابه بشماله.
__________________
(١) تقدم.
(٢) سقط من أ.
(٣) ينظر : الفخر الرازي ٣١ / ٩٧.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٤٣٩ ، والدر المصون ٦ / ٤٩٨.
(٥) ذكره الرازي في «تفسيره» (٣١ / ٩١) عن الكلبي.