وأصل الكلمة من رقّة الشيء ، يقال : شيء شفق ، أي : لا تماسك له لرقته ، وأشفق عليه أي : رق قلبه عليه ، والشفقة : الاسم من الإشفاق ، وهو رقة القلب ، وكذلك الشفق ، فكأن تلك الرقة من ضوء الشمس.
وزعم بعض الحكماء : أن البياض لا يغيب أصلا.
وقال الخليل : صعدت منارة الإسكندرية ، فرمقت البياض ، فرأيته يتردد من أفق إلى أفق ، ولم أره يغيب.
وقال ابن أبي أويس : رأيته يتمادى إلى طلوع الفجر ، وكل ما يتجدّد وقته سقط اعتباره.
وروى النعمان بن بشير ، قال : أنا أعلمكم بوقت صلاة العشاء الآخرة ، كان النبيصلىاللهعليهوسلم يصليها لسقوط القمر لثالثة (١). وهذا تحديد.
وقال مجاهد : الشفق النهار كله (٢) ؛ لأنه عطف عليه (وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ) ، فوجب أن يكون الأول هو النهار ، فعلى هذا يكون القسم واقع بالليل والنهار اللذين أحدهما معاش ، والثاني: سكن ، والشفق أيضا : الرديء من الأشياء ، يقال : عطاء مشفق : أي : مقلل ؛ قال الكميت : [الكامل]
٥١٤٤ ـ ملك أغرّ من الملوك تحلّبت |
|
للسّائلين يداه غير مشفّق (٣) |
قوله : (وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ) ، أي : جمع وضم ولف ، ومنه : الوسق ، وهو الطعام المجتمع الذي يكال أو يوزن ، وهو ستّون صاعا ، ثم صار اسما ، واستوسقت الإبل إذا اجتمعت وانضمت ، والراعي وسقها ، أي : جمعها ؛ قال الشاعر : [الرجز]
٥١٤٥ ـ إنّ لنا قلائصا حقائقا |
|
مستوسقات لو يجدن سائقا (٤) |
والوسق ـ بالكسر ـ : الاسم ، وبالفتح : المصدر ، وطعام موسق : أي : مجموع ،
__________________
(١) أخرجه أبو داود (١ / ١٦٧) كتاب الصلاة ، باب : في وقت العشاء الآخرة رقم (٤١٩) والترمذي (١ / ٣٠٦) أبواب الصلاة ، باب : ما جاء في وقت صلاة العشاء الآخرة رقم (١٦٥) والنسائي (١ / ٢٦٤ ـ ٢٦٥) وأحمد (٤ / ٢٧٤) والدارمي (١ / ٢٧٥) والدارقطني (١ / ٢٧٠) والبيهقي (١ / ١٩٤ ـ ١٩٥) من حديث النعمان بن بشير.
وقال ابن العربي في «عارضة الأحوذي» (١ / ٢٧٧) : حديث النعمان حديث صحيح وإن لم يخرجه الإمامان.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٥١٠) عن مجاهد.
(٣) ينظر شعر الكميت بن زيد ص ٢٥٩ ، واللسان (شفق) ، والقرطبي ١٩ / ١٨١.
(٤) هما للعجاج ينظر ملحقات ديوانه ٨٤ ، واللسان (وسق) ، والقرطبي ١٩ / ١٨٢ ، والبحر ٨ / ٤٣٧ ، والدر المصون ٦ / ٤٩٩.