قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ). أي : هؤلاء الذين آمنوا بالله ، أي : صدقوا به وبرسوله (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ) أي : بساتين.
(تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) لما ذكر تعالى وعيد المجرمين ، ذكر وعد المؤمنين ، (ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) أي : العظيم الذي لا فوز يشبهه ، وقال : «ذلك الفوز» ولم يقل : تلك ؛ لأن ذلك إشارة إلى إخبار الله تعالى بحضور الجنات ، وتلك إشارة إلى الجنّة الواحدة ، وإخبار الله ـ تعالى ـ يدل على كونه راضيا. والفوز الكبير : هو رضا الله تعالى ، لا دخول الجنة.
قوله : (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) ؛ أي : أخذه الجبابرة والظلمة ، كقوله تعالى : (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود : ١٠٢].
وقال المبرد : (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ) جواب القسم وقد تقدم ذلك.
والبطش : هو الأخذ بعنف ، فإذا وصف بالشدة ، فقد تضاعف.
قوله : (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) ، يعني : الخلق عند أكثر العلماء يخلقهم ابتداء ، ثم يعيدهم عند البعث ، وروى عكرمة ، قال : عجب الكفّار من إحيائه تعالى الأموات (١).
وقال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ يبدىء لهم عذاب الحريق في الدنيا ، ثم يعيده عليهم في الآخرة (٢) ، وهذا اختيار الطبري (٣).
قوله : (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) : «الغفور» : أي : الستور لعباده المؤمنين ، والودود : مبالغة في الوداد.
قال ابن عباس : هو المتودّد لعباده المؤمنين بالمغفرة (٤).
وعن المبرد : هو الذي لا ولد له ، وأنشد : [المتقارب]
٥١٥٧ ـ وأركب في الرّوع عريانة |
|
ذلول الجناح لقاحا ودودا (٥) |
أي : لا ولد لها تحنّ إليه.
وقيل : هو «فعول» بمعنى : «مفعول» ، كالرّكوب والحلوب أي : يوده عباده الصالحون.
قوله : (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) قرأ الكوفيون إلّا عاصما : «المجيد» بالجر.
فقيل : نعت للعرش.
__________________
(١) ينظر تفسير القرطبي (١٩ / ١٩٥).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٥٢٩) ، وذكره الماوردي (٦ / ٢٤٣) ، والقرطبي (١٩ / ١٩٥) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٥٧).
(٣) ينظر : جامع البيان ١٢ / ٥٢٩.
(٤) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٩ / ١٩٥).
(٥) ينظر القرطبي ١٩ / ١٩٤ ، والبحر ٨ / ٤٤٥ ، والدر المصون ٦ / ٥٠٤ ، وفتح القدير ٥ / ٤١٣.