وعن بعض الحكماء : أنه حدث عن البعير ، وبديع خلقه ، وقد نشأ في بلاد لا إبل فيها ، ففكر ، ثم قال : يوشك أن تكون طوال الأعناق.
قال ابن الخطيب (١) : الإبل لها خواص ، منها أنه ـ تعالى ـ جعل الحيوان الذي يقتنى أنواعا ، فتارة يقتنى ليؤكل لحمه ، وتارة ليشرب لبنه ، وتارة ليحمل الناس في الأسفار ، وتارة لنقل المتاع من بلد إلى بلد ، وتارة للزّينة والجمال ، وهذه المنافع بأسرها حاصلة في الإبل ، ثم إنها فاقت في كل خصلة من هذه الخصال غيرها من الحيوان المختص ببعضها ، مع صبرها على العطش ، وقطع المفاوز بالأحمال الثقيلة ، وقناعتها في العلف بنبات البر ، ولقد ضللنا الطريق في مفازة ، فقدموا جملا واتبعوه ، فهداهم للطريق بعد زمان طويل ، مع كثرة المعاطف والتلول ، فانظر كيف ثبت واهتدى على ما عجزت عنه ذوو العقول.
ومنها : أنه في غاية القوة والصبر على العمل.
ومنها : أنها مع كونها كذلك منقادة للصّبي الصغير.
ومنها : أنها تحمل وهي باركة ، ثم تقوم بحملها ، وهذه الصفات توجب على العاقل أن ينظر في خلقها وتركيبها ، ويستدل بذلك على وجود الصانع الحكيم جلت قدرته.
فصل
قال قتادة ومقاتل وغيرهما : لما ذكر الله ـ تعالى ـ السرر المرفوعة ، قالوا : كيف نصعدها؟ فأنزل الله هذه الآية ، وبيّن أنّ الإبل «تبرك» حتى يحمل عليها ، ثم تقوم ، فكذلك تلك السرر تتطامن ، ثم ترتفع (٢).
وقال المبرد : الإبل هنا : القطع العظيمة من السّحاب.
وقال الثعلبي : ولم أجد لذلك أصلا في كتب الأئمة (٣).
قال القرطبي (٤) : قد ذكره الأصمعي أبو سعيد عبد الملك بن قريب ، قال أبو عمرو : من قرأها : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) بالتخفيف ، عنى بها : البعير ؛ لأنها من ذوات الأربع ، يبرك ، فتحمل عليه الحمولة ، وغيره من ذوات الأربع ، لا يحمل عليه إلا وهو قائم ، ومن قرأها بالتثقيل فقال : «الإبل» عنى بها السحاب التي تحمل الماء والمطر.
وقال الماورديّ : وفي الإبل وجهان :
أظهرهما : أنها «الإبل».
__________________
(١) الفخر الرازي ٣١ / ١٤٣.
(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٢٠ / ٢٤).
(٣) ينظر المصدر السابق.
(٤) ينظر الجامع لأحكام القرآن (٢٠ / ٢٥).