قوله : (وَسُقْياها). أي ذروها وشربها ، فإنهم لما اقترحوا الناقة ، أخرجها لهم من الصخرة وجعل لهم شرب يوم من بئرهم ، ولها شرب يوم مكان ذلك ، فشق عليهم ، فكذبوه يعني صالحا ـ عليه الصلاة والسلام ـ في وعيدهم بالعذاب.
(فَعَقَرُوها) أي : عقرها الأشقى ، وأضاف إلى الكل ، لأنهم رضوا بفعله.
قال قتادة : بلغنا أنه لم يعقر حتى تابعه صغيرهم وكبيرهم وذكرهم وأنثاهم (١).
وقال الفراء : عقرها اثنان ، والعرب تقول : هذان أفضل الناس ، وهذا خير الناس ، وهذه المرأة أشقى القوم ، فلهذا لم يقل : أشقياها.
قوله : (فَدَمْدَمَ). الدمدمة : قيل : الإطباق ، يقال : دمدمت عليه القبر ، أي : أطبقته عليه ، أي : أهلكهم وأطبق عليهم العذاب (بِذَنْبِهِمْ) الذي هو الكفر والتكذيب والعقر.
وقال المؤرج : الدمدمة : الإهلاك باستئصال.
وروى الضحاك عن ابن عباس : «دمدم عليهم ، دمر عليهم ربهم «بذنبهم» أي : بجرمهم» (٢).
وقال الفراء : «فدمدم» أي : أرجف. وحقيقة الدمدمة : تضعيف العذاب وترديده ، ويقال : دممت على الشيء : أي : أطبقت عليه ، فإذا كرر الإطباق قلت : دمدمت. وفي «الصحاح» (٣) : ودمدمت الشيء : إذا ألصقته بالأرض وطحطحته.
[قال القشيري : وقيل دمدمت على الميت التراب أي سويته عليه ، والمعنى على هذا فجعلهم تحت التراب فسواها أي فسوى عليهم الأرض ، وعلى الأول : فسواها : أي فسوى الدمدمة ، وقيل : الدمدمة حكاية صوت الهدة ، وذلك أن الصيحة أهلكتهم فأتت على صغيرهم وكبيرهم](٤).
وقال ابن الأنباري : دمدم : أي : غضب ، والدمدمة : الكلام الذي يزعج الرجل ودمدمت الثوب طليته بالصبغ والباء في بذنبهم للسببية.
وقرأ ابن الزبير : «فدهدم» بهاء بين الدالين بدل الميم (٥) ، وهي بمعنى القراءة المشهورة.
قال القرطبي (٦) : «وهما لغتان ، كما يقال : امتقع لونه ، وانتقع».
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٦٠٦) عن قتادة.
(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٢٠ / ٥٣).
(٣) ينظر الصحاح ٥ / ١٩٢١ (دمم).
(٤) سقط من ب.
(٥) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٤٨٩ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٧٦ ، والدر المصون ٦ / ٥٣٣.
(٦) الجامع لأحكام القرآن ٢٠ / ٥٣.