والمشهور أن المراد به الفقير ، ويؤيده ما روي (١) في مصحف عبد الله : «ووجدك عديما».
وقوله تعالى : (فَأَغْنى) ، أي : فأغناك خديجة وتربية أبي طالب ، ولما اختل ذلك أغناك بمال أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ ، ولما اختل ذلك أمره بالهجرة وأغناه بإعانة الأنصار ـ رضي الله عنهم ـ ، ثم أمره بالجهاد ، وأغناه صلىاللهعليهوسلم بالغنائم.
[وقال مقاتل : أغناك بما أعطاك من الرزق (٢).
وقال عطاء : وجدك فقير النفس ، فأغنى قلبك ، وقيل : فقيرا من الحجج والبراهين ، فأغناك بها (٣)](٤).
قوله : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ). اليتيم منصوب ب «تقهر» ، وبه استدل ابن مالك على أنه لا يلزم من تقديم المعمول تقديم العامل ؛ ألا ترى أنّ اليتيم منصوب بالمجزوم ، وقد تقدم الجازم ، لو قدمت المجزوم على جازمه ، لامتنع ، لأن المجزوم لا يتقدم على جازمه ، كالمجرور لا يقدم على جاره.
وتقدّم ذلك في سورة هود عليهالسلام عند قوله تعالى : (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) [هود : ٨].
وقرأ العامة : «تقهر» بالقاف من الغلبة ، وابن مسعود ، والشعبي (٥) ، وإبراهيم النخعي والأشهب العقيلي : «تكهر» بالكاف. يقال : كهر في وجهه : أي عبس ، وفلان ذو كهرة ، أي : عابس الوجه.
ومنه الحديث : «فبأبي هو وأمّي فوالله ما كهرني».
قال أبو حيان (٦) : «وهي لغة بمعنى قراءة الجمهور» انتهى.
والكهر في الأصل : ارتفاع النهار مع شدة الحر.
وقيل : الكهر : الغلبة ، والكهر : الزجر. والمعنى : لا تسلط عليه بالظلم ، بل ادفع إليه حقه ، واذكر يتمك. قاله الأخفش.
وقال مجاهد : لا تحتقر. وخص اليتيم ، لأنه لا ناصر له غير الله تعالى ، فغلظ في تأثير العقوبة على ظالمه ، والمعنى : عامله كما عاملناك به ، ونظيره : (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ) [القصص : ٧٧].
قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الله الله فيمن ليس له إلّا الله».
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٥٩٥.
(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٢٠ / ٦٧).
(٣) ينظر : المصدر السابق.
(٤) سقط من ب.
(٥) ينظر : الكشاف ٤ / ٧٦٨ ، والمحرر الوجيز ٥ / ٤٩٥ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٨٢ ، والدر المصون ٦ / ٥٣٩.
(٦) البحر المحيط ٨ / ٤٨٢.