أحدهما : أنها على بابها من الاستفهام المحض ، أي : هو ممن يسأل عنه لغرابته أأتى عليه حين من الدهر لم يكن كذا فإنه يكون الجواب : أتى عليه ذلك وهو بالحال المذكورة. كذا قاله أبو حيان (١).
وقال مكي في تقرير كونها على بابها من الاستفهام : والأحسن أن تكون على بابها للاستفهام الذي معناه التقرير ، وإنما هو تقرير لمن أنكر البعث فلا بد أن يقول : نعم قد مضى دهر طويل لا إنسان فيه ، فيقال له : من أحدثه بعد أن لم يكن وكونه بعد عدمه ، كيف يمتنع عليه بعثه ، وإحياؤه بعد موته ، وهو معنى قوله : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ) [الواقعة : ٦٢] أي : فهلا تذكرون ، فتعلمون أن من أنشأ شيئا بعد أن لم يكن قادرا على إعادته بعد موته وعدمه انتهى.
فقد جعلها لاستفهام التقرير لا للاستفهام المحض ، وهذا هو الذي يجب أن يكون ؛ لأن الاستفهام لا يرد من الباري ـ تعالى ـ على هذا النحو وما أشبهه.
والثاني : قال الكسائي والفراء وأبو عبيدة وحكي أيضا عن سيبويه : أنها بمعنى «قد» قال الفرّاء : «هل» تكون جحدا وتكون خبرا ، فهذا من الخبر ؛ لأنك تقول : هل أعطيتك؟ تقرره: بأنك أعطيته ، والجحد أن تقول : هل يقدر أحد على مثل هذا؟.
وقال الزمخشري : «هل» بمعنى «قد» في الاستفهام خاصة ، والأصل : «أهل» ؛ بدليل قوله : [البسيط]
٥٠١٩ ـ سائل فوارس يربوع لشدّتنا |
|
أهل رأونا بوادي القفّ ذي الأكم؟ (٢) |
فالمعنى : أقد أتى ، على التقرير والتقريب جميعا ، أي أتى على الإنسان قبل زمان قريب (حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ) فيه (شَيْئاً مَذْكُوراً) أي : شيئا منسيّا غير مذكور انتهى.
فقوله : «على التقرير» يعني المفهوم من الاستفهام ، وهو الذي فهمه مكي من نفس «هل» وقوله : «والتقريب» يعني المفهوم من «قد» التي وقع موقعها «هل» ، ومعنى قوله : «الاستفهام خاصة» أن «هل» لا تكون بمعنى «قد» إلا ومعها استفهام لفظا كالبيت المتقدم، أو تقديرا كالآية الكريمة.
فلو قلت : هل جاء زيد ، يعني : قد قام ، من غير استفهام لم يجز. وغيره قد جعلها بمعنى «قد» من غير هذا القيد.
وبعضهم لا يجيز ذلك ألبتة ويتأول البيت المتقدم على أنه مما جمع فيه بين حرفي معنى للتأكيد ، وحسن ذلك اختلاف لفظهما ؛ كقوله : [الطويل]
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٣٩٣.
(٢) تقدم.