قوله : «من الله» يجوز تعلّقه بنفس «رسول» أو بمحذوف على أنه صفة ل «رسول» ، وجوز أبو البقاء ثالثا ، وهو أن يكون حالا من «صحفا» ، والتقدير : يتلو صحفا مطهرة منزلة من الله (١) تعالى.
يعني كانت صفة في الأصل للنّكرة ، فلما تقدمت عليها نصبت حالا.
قوله : «يتلو» يجوز أن يكون صفة ل «رسول» وأن يكون حالا من الضمير في الجار قبله ، إذا جعله صفة ل «رسول». و «يتلو» : أي : يقرأ ، يقال : تلا يتلو تلاوة.
و «صحفا» جمع صحيفة ، وهي ظرف المكتوب.
«مطهّرة» ، قال ابن عبّاس : من الزور ، والشك ، والنفاق ، والضلالة (٢) ، وقال قتادة: من الباطل (٣).
وقيل : من الكذب والشبهات ، والمعنى واحد [أي : يقرأ ما تتضمن الصحف من المكتوب بدليل أنه كان يتلو عن ظهر قلب لا عن كتاب ، ولأنه كان أميّا لا يقرأ ، ولا يكتب ، ومطهرة من نعت الصحف كقوله تعالى : (فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ) فالمطهرة : نعت للصحف في الظاهر ، وهو نعت لما في الصحف من القرآن.
وقيل : مطهرة أي : لا يمسّها إلا المطهرون كما تقدم في سورة «الواقعة».
وقيل : الصحف المطهرة هي التي عند الله ـ تعالى ـ في أم الكتاب الذي منه نسخ ما أنزل على الأنبياء صلوات الله عليهم من الكتب لقوله تعالى : (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ)](٤).
قوله : (فِيها كُتُبٌ). يجوز أن تكون جملة صفة ل «صحفا» ، أو حالا من ضمير «مطهّرة» وأن يكون الوصف أو الحال الجار والمجرور فقط ، و «كتب» فاعل به ، وهو الأحسن ، والمراد بالكتب : الآيات المكتوبة في الصحف ، والقيمة : المستقيمة المحكمة ، من قول العرب : قام يقوم إذا استوى وصح.
وقال صاحب «النّظم» (٥) : الكتب بمعنى الحكم ؛ لقوله تعالى : (لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) [المجادلة : ٢١] ، ومنه حديث العسيف : «لأقضينّ بينكما بكتاب الله» (٦) ، ثم قضى بالرّجم ، وليس ذكر الرجم مسطورا في الكتاب.
__________________
(١) الإملاء ٢ / ٢٩١.
(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٢٠ / ٩٦).
(٣) ينظر المصدر السابق.
(٤) سقط من : ب.
(٥) ينظر : الفخر الرازي ٣٢ / ٤١.
(٦) أخرجه البخاري (١٢ / ١٨٥) ، كتاب : الحدود ، باب : الإمام يأمر رجلا فيضرب الحد غائبا حديث (٦٨٥٩ ، ٦٨٦٠) ، ومسلم (٣ / ١٣٢٤) ، كتاب : الحدود ، باب : من اعترف على نفسه بالزنا حديث (٢٥ / ١٦٩٧ ، ١٦٩٨) ، من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني.