والراحات ، وهو كقوله تعالى : (وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ).
واعلم أن الكنود لا يخرج عن أن يكون كفرا أو فسقا ، وكيفما كان فلا يمكن حمله على كل الناس ، فلا بد من صرفه إلى كافر معين ، وإن حملناه على الكل فالمعنى أن طبع الإنسان يحمله على ذلك إلا إذا عصمه الله بلطفه وتوفيقه.
قال ابن عباس : الإنسان هنا الكافر ، يقول : إنه لكفور ، ومنه الأرض الكنود التي لا تنبت شيئا (١). وقال الضحاك : نزلت في الوليد بن المغيرة. وقال أبو بكر الواسطي : الكنود : الذي ينفق نعم الله في معاصي الله.
وقال ذو النون المصري : الهلوع والكنود : هو الذي إذا مسه الشرّ جزوع ، وإذا مسّه الخير منوع. وقيل : هو الحسود الحقود.
قال القرطبي (٢) : «هذه الأقوال كلّها ترجع إلى معنى الكفران والجحود».
وقال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ نزلت في قرط بن عبد الله بن عمرو بن نوفل القرشي ، لقوله : (أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ) ولا يليق إلا بالكافر المنكر لذلك (٣).
قوله : (وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ). أي : وإن الله ـ تعالى ـ على ذلك من ابن آدم لشهيد ، قاله ابن عباس ومجاهد وأكثر المفسرين (٤).
وقال الحسن وقتادة ومحمد بن كعب : «وإنّه» أي : وإن الإنسان لشاهد على نفسه بما يصنع كقوله تعالى بعد ذلك : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ)(٥).
والأول أولى ؛ لأنه كالوعيد والزجر له عن المعاصي.
قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ). اللام متعلقة ب «شديد» وفيه وجهان :
أحدهما : أنها المعدية ، والمعنى : وإنه لقوي مطيق لحب الخير أي : المال ، يقال : هو شديد لهذا الأمر ، أي : مطيق له ، ويقال : لشديد ، أي : بخيل ، ويقال للبخيل : شديد ومتشدّد ؛ قال طرفة : [الطويل]
٥٢٨٥ ـ أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي |
|
عقيلة مال الفاحش المتشدد (٦) |
يقال : اعتامه واعتماه : أي : اختاره ، والفاحش : البخيل أيضا ؛ قال تعالى : (وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) [البقرة : ٢٦٨] أي : البخل.
__________________
(١) تقدم تخريجه عن ابن عباس.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ٢٠ / ١١٠.
(٣) ذكره الرازي في «تفسيره» (٣٢ / ٦٤) ، عن ابن عباس.
(٤) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٣٠ / ١١٠).
(٥) ينظر المصدر السابق.
(٦) ينظر ديوانه ص ٣٤ ، وابن الشجري ١ / ١١١ ، والكشاف ٤ / ٧٨٨ ، والكامل ١ / ٣٦٠ ، والطبري ٣ / ١٨٠ ، ومجمع البيان ١٠ / ٨٠٥ ، والبحر ٨ / ٥٠٢ ، والدر المصون ٦ / ٥٦١.