والتحصيل : التمييز ، ومنه قيل للمنخل : محصل ، وحصل الشيء ـ مخففا ـ ظهر واستبان وعليه القراءة الأخيرة.
وقال المفسرون : (وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ) اي : ميز ما فيها من خير وشر ، وقال ابن عباس : أبرز. قال ابن الخطيب (١) : وخص أعمال القلوب بالذكر دون أعمال الجوارح ؛ لأن أعمال الجوارح تابعة لأعمال القلوب ؛ لأنه لو لا البواعث والإرادات ، لما حصلت أعمال الجوارح.
قوله : (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ). العامة : على كسر الهمزة لوجود اللام في خبرها ، والظاهر أنها معلقة ل «يعلم» فهي في محل نصب ، ولكن لا يعمل في «إذا» خبرها ، لما تقدم ، بل يقدر له عامل من معناه كما تقدم. ويدل على أنها معلقة للعلم ، لا مستأنفة. وقراءة أبي السمال (٢) وغيره : «أن ربهم بهم يومئذ خبير» ، بالفتح وإسقاط اللام ، فإنها في هذه القراءة سادة مسد مفعولها.
ويحكى عن الحجاج ـ الخبيث الروح ـ أنه لما فتح همزة «أن» استدرك على نفسه ، وتعمد سقوط اللام ، وهذا إن صح كفر ، ولا يقال : إنها قراءة ثابتة ، كما نقل عن أبي السمّال فلا يكفر ، لأنه لو قرأها كذلك ناقلا لها لم يمنع منه ، ولكنه أسقط اللام عمدا إصلاحا للسانه ، واجتمعت الأمة على أن من زاد حرفا ، أو نقص حرفا في القرآن عمدا فهو كافر.
قال شهاب الدين (٣) : وإنما قلت ذلك لأني رأيت أبا حيّان قال (٤) : وقرأ أبو السمال والحجاج ، ولا يحفظ عن الحجاج إلا هذا الأثر السوء ، والناس ينقلونه عنه كذلك ، وهو أقل من أن ينقل عنه.
«ربهم ، ويومئذ» متعلقان بالخبر ، واللام غير مانعة من ذلك ، وقدما لأجل الفاصلة ، ومعنى «خبير» ، أي : عالم لا يخفى عليه منهم خافية ، وهو عالم بهم في ذلك اليوم ، وفي غيره ، ولكن المعنى : أنه يجازيهم في ذلك اليوم.
روى الثعلبي عن أبيّ ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من قرأ سورة (وَالْعادِياتِ) أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من بات بالمزدلفة ، وشهد جمعا» (٥) ، والله أعلم وهو حزبي.
__________________
(١) الفخر الرازي ٣٢ / ٦٦.
(٢) ينظر : الكشاف ٤ / ٧٨٩ ، والبحر المحيط ٨ / ٥٠٢ ، والدر المصون ٦ / ٥٦١.
(٣) الدر المصون ٦ / ٥٦١ ـ ٥٦٢.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٥٠٢.
(٥) رواه الثعلبي والواحدي في «الوسيط» وابن مردويه كما في تخريج الكشاف للزيلعي (٤ / ٢٦٧) ، وهو حديث موضوع ، تقدم الكلام عليه مرارا.