عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) [الشعراء : ٢١٤] خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتّى صعد الصّفا ، فهتف : يا صباحاه فقالوا : من هذا الذي يهتف؟.
قالوا : محمد ، فاجتمعوا إليه ، فقال : «يا بني فلان يا بني فلان ، يا بني عبد مناف ، يا بني عبد المطّلب» ، فاجتمعوا إليه ، فقال : «أرأيتم لو أخبرتكم أنّ خيلا تخرج بسفح هذا الجبل ، أكنتم مصدّقيّ»؟.
قالوا : ما جرّبنا عليك كذبا ، قال : «فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد» ، فقال أبو لهب : تبّا لك ، أما جمعتنا إلا لهذا؟ ثم قام فنزلت هذه السورة (١).
وفي رواية : لما سمعت امرأته ما نزل في زوجها وفيها من القرآن ، أتت رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو جالس في المسجد عند الكعبة ، ومعه أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ وفي يدها فهر من حجارة ، فلما وقفت عليه أخذ الله بصرها عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلا ترى إلا أبا بكر ، فقالت : يا أبا بكر ، إن صاحبك قد بلغني أنه يهجوني ، والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه ؛ والله إني لشاعرة : [منهوك الرجز]
٥٣٢٥ ـ مذمّما عصينا |
|
وأمره أبينا |
ودينه قلينا (٢) |
ثم انصرفت ، فقال أبو بكر : يا رسول الله ، أما تراها رأتك؟ قال : «ما رأتني ، لقد أخذ الله بصرها عنّي».
وكانت قريش تسمي رسول الله صلىاللهعليهوسلم مذمما ، ثم يسبونه ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «ألا تعجبون لما صرف الله تعالى عني من أذى كفار قريش يسبون ويهجون مذمما وأنا محمد رسول الله».
وحكى أبو عبد الرحمن بن زيد : أن أبا لهب أتى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : ماذا أعطى إن آمنت بك يا محمد؟ قال : «كما يعطى المسلمون» ، قال : ما لي عليهم فضل؟.
قال : وأيّ شيء تبغي؟ قال : تبّا لهذا من دين ، أن أكون أنا وهؤلاء سواء. فأنزل الله تعالى فيه : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ)(٣).
وحكى عبد الرحمن بن كيسان قال : كان إذا وفد على النبي صلىاللهعليهوسلم وفد ، انطلق إليهم أبو لهب ، فيسألونه عن رسول الله ويقولون له : أنت أعلم به منا ، فيقول لهم أبو لهب : إنه كذاب ساحر ، فيرجعون عنه ، ولا يلقونه فأتى وفد ، ففعل معهم مثل ذلك ، فقالوا : لا
__________________
(١) أخرجه البخاري (٨ / ٦٠٩) ، كتاب : التفسير ، باب : سورة تبت يدا أبي لهب وتب ، رقم (٤٩٧١) ، ومسلم (١ / ١٩٤) ، والطبري (١٢ / ٧٣٤) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٧٠١) ، وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبي نعيم والبيهقي كلاهما في «الدلائل».
(٢) ينظر : القرطبي ٢٠ / ١٦٠.
(٣) تقدم تخريجه.