وقال الزجاج : قيل لليل غاسق ، لأنه أبرد من النّهار ، والغاسق : البارد ، والغسق : البرد ، ولأنّ في الليل تخرج السّباع من آجامها ، والهوام من أماكنها ، وينبعث أهل الشرّ على العبث ، والفساد ، فاستعير من الليل.
قال الشاعر : [البسيط]
٥٣٦٨ ـ يا طيف هند لقد أبقيت لي أرقا |
|
إذ جئتنا طارقا والليل قد غسقا (١) |
أي : أظلم واعتكر ، وقيل : الغاسق : الثّريّا ، لأنها إذا سقطت كثرت الأسقام والطواعين ، وإذا طلعت ارتفع ذلك. قاله عبد الرحمن بن زيد.
وقال القتبي : القمر إذا وقب إذا دخل في ساهوره كالغلاف إذا خسف وكل شيء أسود فهو غسق.
وقال قتادة : «إذا وقب» : إذا غاب (٢).
قال القرطبي (٣) : وهو أصح ، لما روى الترمذي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبيصلىاللهعليهوسلم نظر إلى القمر ، فقال : «يا عائشة ، استعيذي بالله من شرّ هذا ، فإنّ هذا هو الغاسق إذا وقب» (٤) ، قال : هذا حديث حسن صحيح.
[وقيل : الغاسق : الحيّة إذا لدغت ، وكأن الغاسق نابها لأن السم يغسق منه أي : يسيل ، يقال : غسقت العين تغسق غسقا ، إذا سالت بالماء ، وسمي الليل غاسقا ، لانصباب ظلامه على الأرض ، ووقب نابها إذا قامت باللدغ](٥).
وقيل : الغاسق : كل هاجم يضر ، كائنا ما كان ، من قولهم : غسقت القرحة ، إذا جرى صديدها.
قال ابن الخطيب (٦) : وعندي فيه وجه آخر ، لو أنه صح ، أن [القمر في جرمه غير مستنير ، بل هو مظلم ، فهذا هو المراد من كونه غاسقا ، وأما وقوبه فهو انمحاء نوره في آخر] الشهر والمنجمون يقولون : إنه في آخر الشهر منحوس ، قليل القوة ؛ لأنه لا يزال نوره بسبب ذلك تزداد نحوسته ، فإن السحرة إنما يشتغلون في السحر الموروث ، للتمريض في هذا الوقت ، وهذا مناسب لسبب نزول السورة ، فإنها نزلت ؛ لأجل أنهم سحروا النبي صلىاللهعليهوسلم لأجل التمريض.
__________________
(١) ينظر القرطبي ٢٠ / ١٧٥ ، والبحر ٨ / ٥٣٣ ، والدر ٦ / ٥٩٢.
(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٢٠ / ١٧٥).
(٣) ينظر : المصدر السابق.
(٤) أخرجه الترمذي (٥ / ٤٢١ ـ ٤٢٢) ، كتاب : التفسير ، باب : المعوذتين حديث (٣٣٦٦) ، من حديث عائشة. وقال الترمذي : حسن صحيح.
(٥) سقط من : ب.
(٦) الفخر الرازي ٣٢ / ١٧٨.