وأن السورة (١) إنما نزلت في الاستعاذة من السّحر ، وذلك إنّما يتم بإبليس وجنوده ، لعنهم الله (٢) ، وقيل : جهنم وما خلق فيها.
وقيل : عام ؛ أي من شر كل ما خلقه الله وقيل : ما خلق الله من الأمراض ، والأسقام [والقحط](٣) وأنواع المحن.
قال الجبائي والقاضي (٤) : هذا التقييد باطل ؛ لأن فعل الله ـ تعالى ـ لا يجوز أن يوصف بأنه شر ؛ لأن الذي أمر بالتعوذ منه هو الذي أمر به ، وذلك متناقض ؛ لأن أفعاله ـ تعالى ـ كلها حكمة وصواب ، فلا يجوز أن يقال : شرّ.
وأيضا : فلأن فعل الله لو كان شرّا ؛ لوصف فاعله بأنه شر ، وتعالى الله عن ذلك.
والجواب عن الأول : أنه لا امتناع في قوله : أعوذ بك منك ، كما رد عن الثاني أن الإنسان لما تألم وصف بالألم كقوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى : ٤٠] ، وقوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) [البقرة : ١٩٤].
وعن الثالث : أن أسماء الله توقيفية لا اصطلاحية ، ومما يدل على جواز تسمية الأمراض والأسقام بأنها شرور قوله تعالى : (إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً) [المعارج : ٢٠].
قوله : (وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ) ، «إذا» منصوب ب «أعوذ» أي : أعوذ بالله من هذا في وقت كذا ، وكذا.
والغسق : هو أول ظلمة الليل ، يقال منه : غسق الليل يغسق ، أي : يظلم.
قال ابن قيس الرقيّات : [المديد]
٥٣٦٦ ـ إنّ هذا اللّيل قد غسقا |
|
واشتكيت الهمّ والأرقا (٥) |
وهذا قول ابن عباس والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم ، ووقب على هذا : أظلم (٦).
وقيل : نزل ، قال : وقب العذاب على الكافرين : نزل.
قال : [الكامل]
٥٣٦٧ ـ وقب العذاب عليهم فكأنّهم |
|
لحقتهم نار السّموم فأحصدوا (٧) |
__________________
(١) في أ : الآية.
(٢) ينظر تفسير القرطبي (٢٠ / ١٧٥).
(٣) سقط من : ب.
(٤) ينظر : الفخر الرازي ٣٢ / ١٧٧.
(٥) ينظر ذيل ديوان ابن الرقيّات ص ١٨٧ ، ومجاز القرآن ١ / ٣٩٨ ، واللسان (غسق) ، والقرطبي ٢٠ / ١٧٥).
(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٧٤٨ ، ـ ٧٤٩) ، عن ابن عباس والحسن.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٧١٨) ، وزاد نسبته إلى ابن المنذر.
(٧) ينظر القرطبي ٢ / ١٧٥ ، والبحر ٨ / ٥٣٢ ، والدر المصون ٦ / ٥٩١ ، وفتح القدير ٥ / ٥٢٠.