واختلف في النّفث عند الرقى : فمنعه قوم ، وأجازه آخرون.
قال عكرمة : لا ينبغي للراقي أن ينفث ، ولا يمسح ، ولا يعقد (١).
قال إبراهيم : كانوا يكرهون النفث من الراقي ، والصحيح الجواز ؛ لأن النبي صلىاللهعليهوسلم كان ينفث في الرقية.
وروي محمد بن حاطب أن يده احترقت ، فأثبت النبي صلىاللهعليهوسلم ، فجعل ينفث عليها ، ويتكلم بكلام ، وزعم أنه لم يحفظه.
وروي أن قوما لدغ فيهم رجل ، فأتوا أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم فقالوا : هل فيكم من راق؟ فقالوا : لا حتى تجعلوا لنا شيئا ، فجعلوا لهم قطيعا من الغنم ، فجعل رجل منهم يقرأ فاتحة الكتاب ويرقى ويتفل حتى برىء ، فأخذوها ، فلما رجعوا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ذكروا ذلك له ، فقال : وما يدريكم أنها رقية؟ خذوا واضربوا لي معكم سهما.
وأما ما روي عن عكرمة فكأنه ذهب فيه إلى أن النفث في العقد مما يستعاذ به بخلاف النفث بلا عقد.
قال ابن الخطيب (٢) : هذه الصناعة إنما تعرف بالنّساء ، لأنهن يعقدن في الخيط ، وينفثن ، وذلك لأن الأصل الأعظم فيه ربط القلب بذلك الأمر ، وإحكام الهمّة والوهم فيه ، وذلك إنما يتأتّى من النساء لقلة عملهن ، وشدة شهوتهن ، فلا جرم كان هذا العمل منهن أقوى.
قوله : (وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ) ، الحسد : هو تمني زوال نعمة المحسود ، وإن لم يصر للحاسد مثلها ، والمنافسة : هي تمنّي مثلها وإن لم تزل من المحسود ، وهي الغبطة ، فالحسد : شر مذموم ، والمنافسة مباحة.
قال صلىاللهعليهوسلم : «المؤمن يغبط والمنافق يحسد» وقال : «لا حسد إلّا في اثنتين» (٣). يريد الغبطة.
قال ابن عباس وعائشة ـ رضي الله عنهما ـ : لما كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم قربت إليه اليهود ، فلم يزالوا حتى أخذوا مشاطة من أثر النبي صلىاللهعليهوسلم وعدة من أسنان مشطه ، فأعطاه اليهود ؛ ليسحروه بها صلىاللهعليهوسلم وتولى ذلك ابن الأعصم ، رجل من اليهود (٤).
__________________
(١) ينظر تفسير القرطبي (٢٠ / ١٧٦).
(٢) ينظر الفخر الرازي ٣٢ / ١٧٩.
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) أخرجه الثعلبي من طريق أبي عصمة نوح بن أبي مريم عن زيد العمي عن أبي نضرة عن ابن عباس عن أبيّ بن كعب به كما في «تخريج الكشاف» للزيلعي (٤ / ٣٣٧ ـ ٣٣٨).
وأخرجه أيضا ابن مردويه والواحدي في الوسيط من طريق نوح ونوح بن أبي مريم وضاع مشهور.