الانتفاع بشيء من المخلوقات ممكنا ـ والله أعلم ـ ، وإنما قدم الأرض لأنها أقرب الأشياء إلينا من الأمور الخارجة.
والكفات : اسم للوعاء الذي يكفت فيه أي يجمع. قاله أبو عبيد ، يقال : كفته يكفته أي جمعه وضمه.
وفي الحديث : «أكفتوا صبيانكم» (١) ، قال الصمصامة بن الطرمّاح : [الوافر]
٥٠٥٨ ـ وأنت غدا اليوم فوق الأرض حيّا |
|
وأنت غدا تضمّك في كفات (٢) |
وقيل : الكفات : اسم لما يكفت ك «الضّمام والجماع» ، يقال : هذا الباب جماع الأبواب ، والمعنى : نجعل الأرض ضامّة تضم الأحياء على ظهرها ، والأموات في بطنها ، والكفت: الضم والجمع ؛ وأنشد سيبويه : [الوافر]
٥٠٥٩ ـ كرام حين تنكفت الأفاعي |
|
إلى أحجارهنّ من الصّقيع (٣) |
وروي عن ربيعة في النباش ، قال : تقطع يده ، فقيل له : لم قلت ذلك؟ فقال : إن الله ـ تعالى ـ يقول : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً) فالأرض حرز ، وكانوا يسمون بقيع الغرقد كفتة ، لأنه مقبرة تضم الموتى ، فالأرض تضم الأحياء إلى منازلهم ، والأموات في قبورهم ، وأيضا استقرار النّاس على وجه الأرض ، ثم اضطجاعهم عليها ، انضمام منهم إليها.
وقال الأخفش وأبو عبيدة ومجاهد في أحد قوليه : الأحياء والأموات ترجع إلى الأرض ، والأرض منقسمة إلى حيّ وهو الذي ينبت ، وإلى ميت وهو الذي لا ينبت.
وفي انتصاب : (كِفاتاً ، أَحْياءً وَأَمْواتاً) وجهان :
أحدهما : أنه مفعول ثان ل «نجعل» ؛ لأنها للتصيير.
والثاني : أنه منصوب على الحال من «الأرض» ، والمفعول الثاني : «أحياء وأمواتا» بمعنى : ألم نصيّرها أحياء بالنبات ، وأمواتا بغير نبات ، أي : بعضها كذا ، وبعضها كذا.
وقيل : «كفاتا» جمع كافت ك «صيام ، وقيام» جمع «صائم ، وقائم».
وقيل : بل هو مصدر كالكتاب والحساب.
وقال الخليل : التكفيت : تقليب الشّيء ظهرا لبطن وبطنا لظهر ، ويقال : انكفت القوم إلى منازلهم ، أي : انقلبوا ، فمعنى الكفات : أنهم يتصرفون على ظهرها ، وينقلبون إليها فيدفنون فيها.
__________________
(١) أخرجه أبو داود (٣٧٣٣) وأحمد (٣ / ٣٨٨).
(٢) ينظر اللسان (كفت) ، والقرطبي ١٩ / ١٠٥ ، والدر المصون ٦ / ٤٥٦.
(٣) نسب البيت إلى خالد بن أبي فهر ، ينظر الكتاب ٣ / ٥٧٧ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣١٦ ، والمقتضب ٢ / ١٩٧ ، والقرطبي ١٩ / ١٠٥.