والباقون : بالتخفيف ، من القدرة ، ويدل عليه (فَنِعْمَ الْقادِرُونَ).
ويجوز أن يكون المعنى على القراءة الأولى : فنعم القادرون على تقديره ، وإن جعلت «القادرون» بمعنى «المقدرون» كان جمعا بين اللّفظين ، ومعناهما واحد ، ومنه قوله تعالى : (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) [الطارق : ١٧] ؛ وقول الأعشى : [البسيط]
٥٠٥٧ ـ وأنكرتني وقد كان الّذي نكرت |
|
من الحوادث إلّا الشّيب والصّلعا (١) |
وقال الكسائي والفراء : هما لغتان بمعنى.
قال القتيبي : «قدرنا» بمعنى «قدّرنا» مشددة ، كما تقول : قدرت كذا وقدرته ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم في الهلال : «إذا غمّ عليكم فاقدروا له» أي : قدروا له المسير والمنازل.
وقال محمد بن الجهم عن الفرّاء : أنه ذكر تشديدها عن علي ـ رضي الله عنه ـ وتخفيفها.
قال : ولا يبعد أن يكون المعنى في التشديد والتخفيف واحدا ، لأن العرب تقول : قدر عليه الموت وقدر ، قال تعالى : (نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ) [الواقعة : ٦] قرىء بالتخفيف والتشديد ، وقدر عليه رزقه وقدر ، واحتج الذين خففوا فقالوا : لو كانت كذلك لكانت «فنعم المقدّرون».
قال الفراء : والعرب تجمع بين اللّغتين ، واستدل بقوله : (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ) الآية ، [الطارق : ١٧] وذكر بيت الأعشى المتقدم.
وقيل : المعنى قدّرنا قصيرا وطويلا ، ونحوه عن ابن عبّاس : قدرنا ملكنا.
قال المهدوي : وهذا التفسير أشبه بقراءة التخفيف.
قوله تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً (٢٥) أَحْياءً وَأَمْواتاً (٢٦) وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً (٢٧) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)(٢٨)
قوله تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً) هذا هو النوع الرّابع من تخويف الكفّار ؛ لأنه ـ تعالى ـ ذكرهم في الآية المتقدمة بالنعم التي في الأنفس لأنها كالأصل للنعم التي في الآفاق ، ثم قال في آخرها : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) ؛ لأن النعم كلما كانت أكثر كانت الخيانة أقبح وكان استحقاق الذم أشد ، وذكر في هذه الآية النعم التي في الأنفس ؛ لأنها كالأصل للنعم التي في الآفاق ، قالوا : فإنه لو لا الحياة والسمع والبصر والأعضاء السليمة لما كان
__________________
(١) ينظر ديوان الأعشى ص ١٠٥ ، والمحتسب ٢ / ٢٩٨ ، والخصائص ٣ / ٣١٠ ، ومعاني القرآن للفراء ٣ / ٢٢٤ ، ومجاز القرآن ١ / ٢٩٣ ، والأمالي لأبي علي القالي ٣ / ٢٢١ ، وإعراب القرآن ٥ / ١١٧ ، والطبري ٢٩ / ١٤٥ ، ومجمع البيان ١٠ / ٦٣١ ، واللسان نكر ، والدر المصون ٦ / ٤٥٦.