وعن الحسن وقتادة : هي السماوات وتأويله : أن الماء ينزل من السماء إلى السّحاب ، وكأنّ السماوات يعصرن ، أي : يحملن على العصر ، ويمكن منه.
فإن قلت : فما وجه من قرأ «من المعصرات» وفسرها بالرياح ذوات الأعاصير ، والمطر لا ينزل من الرياح؟.
قلت : الرياح هي التي تنشىء السّحاب ، وتدرّ أخلافه ، فصحّ أن تجعل مبدأ للإنزال ، وقد جاء : إنّ الله تبارك وتعالى يبعث الرّياح فتحمل الماء من السّماء إلى السّحاب.
فإن صحّ ذلك فالإنزال منها ظاهر.
فإن قلت : ذكر ابن كيسان أنه جعل «المعصرات» بمعنى المغيثات ، والعاصر المغيث لا المعصر ، يقال : عصره فاعتصر.
قلت : وجهه أن يريد اللاتي أعصرت ، أي : حان لها أن تعصر ، أي : تغيث.
يعني أن «عصر» بمعنى الإغاثة : ثلاثي ، فكيف قال هنا : «معصرات» بهذا المعنى وهو من الرباعي؟.
فأجابه عنه بما تقدم ، يعني : أن الهمزة بمعنى الدخول في الشيء.
قال القرطبي (١) : «ويجوز أن تكون الأقوال واحدة ، ويكون المعنى : وأنزلنا من ذوات الرياح المعصرات (ماءً ثَجَّاجاً) ، وأصح الأقوال أن المعصرات : السحاب ، كذا المعروف أن الغيث منها ، ولو كان «بالمعصرات» لكان الريح أولى».
وفي «الصّحاح» (٢) : والمعصرات : السحائب تعصر بالمطر ، وأعصر القوم أي : مطروا ، ومنه قراءة بعضهم : «وفيه تعصرون» [يوسف : ٤٩] ، والمعصر : الجارية التي فربت سنّ البلوغ ، والمعصر : السحابة التي حان لها أن تمطر ، فقد أعصرت ، ومنه «العصر» ـ بالتحريك ـ للملجأ الذي يلجأ إليه ، والعصر ـ بالضم ـ أيضا : الملجأ ؛ وأنشد أبو زيد : [الخفيف]
٥٠٧١ ـ صاديا يستغيث غير مغاث |
|
ولقد كان عصرة المنجود (٣) |
قوله : (ماءً ثَجَّاجاً). الثّجّ : الانصباب بكثرة وبشدة.
وفي الحديث : «أحبّ العمل إلى الله العجّ والثّجّ» (٤).
فالعجّ : رفع الصوت بالتلبية.
__________________
(١) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٩ / ١١٣.
(٢) ينظر : الصحاح ٢ / ٧٥٠.
(٣) تقدم.
(٤) تقدم.