والأوّل (١) تضييع مناف لحقّ الله وحقّ الواقف وحقّ الموقوف عليه.
______________________________________________________
الوقف بمثل قوله : «حتى يرث الله الأرض ومن فيها» إلّا أنّ العين لمّا كان مآلها إلى الخراب والفناء عادة ، فلا بد وأن يكون الملحوظ حال الإنشاء حبسها ما أمكن الانتفاع بها ، ولو تعذّر فببدلها ، وهكذا إلى أن ينتفي الموضوع بطروء التلف. ورعاية هذا الغرض لا تحصل إلّا بجواز التبديل بمعناه الأعم الصادق على الوجوب أيضا.
(١) وهو تعطيل الوقف المشرف على التلف حتى يتلف بنفسه ، فإنّه تضييع للمال وإتلاف له ، وهو من الإسراف المحرّم.
قال الفاضل النراقي ـ بعد جعل الإسراف تضييعا للمال ، أو صرفه في ما لا يليق بحاله ، أو في ما لا يحتاج إليه ـ ما لفظه : «أمّا التضييع فمصداقه واضح ، وهو إتلافه ، كإهراق الماء ، وطرح النواة ، وإهراق اللبن والدّبس ، ونحو ذلك ممّا لا يعدّ خرجا وصرفا للمال أيضا. بل يقال : إنه جعله بلا مصرف ، أو صرفه على وجه لا تترتب عليه فائدة أصلا ، لا دينية ولا دنيوية» (١).
فإن قلت : إنّ ما دلّ على حرمة التضييع مطلقا ـ وقفا كان أو غيره ـ معارض بالعموم من وجه بما دلّ على منع بيع الوقف ، الشامل بإطلاقه لمثل المقام ، وهو خرابه وسقوطه عن حيّز الانتفاع به. وفي مثله لا مجال للتشبث بعموم النهي عن إتلاف المال وإفساده ، إلّا بوجود مرجّح له على حرمة بيع الوقف ، ولولاه لم يتجه التمسك بعموم حرمة التضييع على جواز البيع هنا ، بل يمكن تخصيص عموم النهي ، لكون الإتلاف مستندا إلى نهي الشارع عن البيع ، فيكون كأمره بإتلاف المال في الهدي ، وإعدام آلات اللهو ، وغيرهما ، هذا.
قلت : لا مورد للمعارضة في المقام فضلا عن تقديم الأدلة المانعة عن بيع الوقف. وذلك لأنّ كلام المصنف : «والحاصل : أن الأمر دائر ..» إمّا أن يكون بيانا لوجود المقتضي لجواز بيع الوقف الخراب ـ كما لا يبعد وفاقا لمن أشرنا إليه ـ وإمّا أن يكون دليلا ثانيا على الجواز كما اختاره البعض. ولا معارضة على كلا الاحتمالين أصلا.
أمّا على الاحتمال الأوّل فلأنّ المصنف قدسسره منع من شمول الأدلة الناهية عن بيع الوقف للمقام ، فلم يبق إلّا عموم حرمة التضييع والإتلاف.
__________________
(١) عوائد الأيام ، ص ٦٣٣.