وفي الدّر المنثور في قوله تعالى : (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، بإسناده عن أنس قال : «مرّ النبي صلىاللهعليهوآله في نفر من أصحابه وصبي في الطريق ، فلما رأت امّه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ فأقبلت تسعى وتقول : ابني ابني ... فأخذته ، فقال القوم : يا رسول الله ما كانت هذه لتلقي ابنها في النار! فقال صلىاللهعليهوآله : لا والله ، ولا يلقي حبيب حبيبه في النار».
أقول : لا شكّ أنّ الحبيب لا يعذّب حبيبه حتّى بعذاب الفراق وحرّ ناره ، ولو عذّبه كذلك في عالم الشهادة وصبر ، يكون ذلك لرفع مقامه وعلو درجته ولتقرّبه إليه جلّ شأنه ، وأنّ عدم عذابه في الآخرة لا ينافي ابتلائه في الدنيا لرقيه إلى سمو مراتب الحبّ له ، رزقنا الله تعالى رشحة من رشحات فيض حبّه ، وجعلها مستقرّة في قلوبنا.
وفي الكافي بإسناده عن أبي الربيع قال : «حججنا مع أبي جعفر عليهالسلام في السنة التي حجّ فيها هشام بن عبد الملك ، وكان معه نافع مولى عمر بن الخطاب ، فنظر إلى أبي جعفر في ركن البيت وقد اجتمع عليه الناس ، فقال نافع : يا أمير المؤمنين من هذا الذي تداك عليه الناس؟! فقال : هذا نبيّ أهل الكوفة ، هذا محمد بن علي عليهالسلام ، فقال : اشهد لآتينه ولأسألنه عن مسائل لا يجيبني فيها إلّا نبيّ. قال : فاذهب فاسأله لعلّك تخجله ، فجاء نافع حتّى اتكئ على الناس ثمّ أشرف على أبي جعفر عليهالسلام فقال : يا محمد بن علي إني قرأت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ، وقد عرفت حلالها وحرامها ، وقد جئت أسألك عن مسائل لا يجيب فيها إلّا نبيّ أو وصيّ نبيّ ، قال : فرفع أبو جعفر عليهالسلام رأسه فقال : سل عمّا بدا لك ، فقال : أخبرني كم بين عيسى ومحمّد من سنة؟ فقال : أخبرك بقولي أو بقولك؟ قال : أخبرني بالقولين جميعا ، قال : أما في قولي فخمسمائة سنة ، وأما قولك فستمائة سنة».
أقول : تقدّم في التفسير أنّ الفاصل الزماني بين الرسولين لم يكن فيه نبيّ معلن وحجّة ظاهريّة ، وإلّا فالحجّة الواقعيّة ـ سواء كانت نبيّا أو وصيّا ـ غير