ثمّ إنّ اختلاف الروايات في ما جرى عليهم في التيه لا يضرّ ، لأنّها قريبة المعاني نوعا ما ، ولا شيء فيها ما يخالف الكتاب ، ولذلك لا جدوى في سردها والجمع بينها ، وسيأتي ما يتعلّق بالبداء إن شاء الله تعالى.
وفي رواية حريز عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : والذي نفسي بيده ، لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة حتّى لا تخطون طريقهم ولا يخطئكم سنّة بني إسرائيل ، ثمّ قال أبو جعفر عليهالسلام : قال موسى عليهالسلام لقومه : (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) ، فردّوا عليه وكانوا ستمائة ألف : (قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ (٢٢) قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا) أحدهما يوشع بن نون والآخر كالب بن يوفنا هما ابنا عمّه فقالا : (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ) إلى قوله تعالى : (إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) ، قال : فعصى أربعون ألفا وسلم هارون وابناه ويوشع بن نون وكالب بن يوفنا ، فسمّاهم الله فاسقين ، فقال : (فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) ، فتاهوا أربعين سنة لأنّهم عصوا ، فكانوا حذو النعل بالنعل ، إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله لما قبض ـ الحديث».
أقول : أما قاعدة ركوب السنن الماضية حذو النعل بالنعل في هذه الامّة ، فقد وردت فيها روايات كثيرة مروية عن طرق الشيعة والسنّة ، ودلّت التواريخ المعتبرة على ذلك ، ولا مجال لنقل الوقائع بعد كثرة الشواهد.
وأما ذكر العدد في الرواية ، فهو تقريبيّ لا دقّي ، ولا يضرّ الاختلاف في الأقل والأكثر ، كما مرّ.
وتطبيق الآية الشريفة على ما حصل من الحوادث بعد ارتحال نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله إلى الملأ الأعلى من باب التطبيق ، والقاعدة المتقدّمة تشهد على ذلك.
وفي الدرّ المنثور عن ابن عباس قال : «خلق لهم ثياب لا تخلق ولا تذوب».
أقول : يمكن أن يكون ذلك من متانة الصنع والمادة بحيث يعمر الثوب