أربعين سنة وأكثر. وأما الكيفية من الطول والقصر وغيرهما ، فكانوا يغيّرونها باختيارهم ، لأنّ أكثر ما يطرأ على الثياب من الفساد من كثافات البدن الحاصلة من الغذاء ، وكان غذائهم المن والسلوى ، ولم يكن فيهما الكثافة كما في غيرهما من الأغذية.
كما يمكن أن يكون ذلك من الإعجاز وخوارق العادة ، كانفجار الماء من الصخرة ، ويدلّ على ذلك ما ورد في الدرّ المنثور ، قال : «ظلّل عليهم الغمام في التيه قدر خمسة فراسخ أو ستة ، كلما أصبحوا ساروا غادين ، فإذا امسوا إذا هم في مكانهم الذي ارتحلوا منه ، فكانوا كذلك أربعين سنة وهم في ذلك ينزل عليهم المن والسلوى ولا تبلى ثيابهم ، ومعهم حجر من حجارة الطور يحملونه معهم فإذا نزلوا ضربه موسى بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا» ، وفي رواية اخرى فيه أيضا : «كانت بنو إسرائيل إذا كانوا في تيههم تشبّ معهم ثيابهم إذا شبّوا» ، وذكرنا مرارا أنّ خوارق العادة تعمّ الجمادات وغيرها.
وفي تفسير علي بن إبراهيم قال في قوله تعالى : (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) ، قال : فإنّ ذلك نزل لما قالوا : (لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ) ، فقال لهم موسى عليهالسلام : (اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ) ف (إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها) ، فقال لهم موسى عليهالسلام : لا بدّ أن تدخلوها ، فقالوا له : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) ، فأخذ موسى بيد هارون وقال كما حكي الله : (إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي) ـ يعني هارون ـ (فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) ، فقال الله : (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً) ، يعني مصر لن يدخلوها أربعين سنة (يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ) ، فلما أراد موسى أن يفارقهم فزعوا وقالوا : إن خرج موسى من بيننا انزل علينا العذاب ، ففزعوا إليه وسألوه أن يقيم معهم ويسأل الله أن يتوب عليهم ، فأوحى الله إليه : إنّي قد تبت عليهم على أن يدخلوا مصر وحرّمتها عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض عقوبة لقولهم : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا) ، فدخلوا كلّهم في قرية والتيه إلّا قارون ،