المدينة ، قال : لعلك جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، قلت : بلى ، قال لي : فما ينفعك شرف أصلك مع جهلك بما شرّفت به وتركك علم جدّك وأبيك ، لأنّه لا ينكر ما يجب أن يحمد ويمدح فاعله ، قلت : وما هو؟ قال : القرآن كتاب الله ، قلت : وما الذي جهلت؟ قال : قول الله عزوجل : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) ، وقال تعالى : (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) ، وإنّي لما سرقت الرغيفين كانت سيئتين ، ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين ، فهذه أربع سيئات. فلما تصدّقت بكلّ واحد منها كانت أربعين حسنة ، انقص من أربعين حسنة أربع سيئات ، بقي ست وثلاثون. قلت : ثكلتك امّك ، أنت الجاهل بكتاب الله ، أما سمعت قول الله عزوجل : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) ، إنّك لما سرقت رغيفين كانت سيئتين ، ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين ، ولما دفعتها إلى غيرها من غير رضا صاحبها كنت إنّما أضفت أربع سيئات ولم تضف أربعين حسنة إلى أربع سيئات. فجعل يلاحيني فانصرفت وتركته». ويستفاد من هذه الرواية أنّ القبول مطلقا يدور مدار التقوى ، ولولاها فالأعمال مجرّد صور لم يكن لها لبّ. نعم لكلّ منهما مراتب ودرجات. والتقوى هي المسلك المهمّ للوصول إلى ساحة قربه ولاستقرار حبّه تعالى في القلب. وقد ذكر علماء السير والسلوك أنّ مقامات الرقي هي مراتب التقوى ، وقسّموها إلى تقوى العوامّ وتقوى الخواصّ ، وتقوى أخصّ الخواصّ. ثمّ إنّ المراد من التقوى في الآية المباركة : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) ، هو مجرّد التقرّب إليه عزوجل مع تقريره به ، لا التقوى المصطلح ، لتناسب ذلك لبدء التشريع وتلائمه مع بثّ النسل ، ولم تكمل الحجّة بتمام جهاتها. ولكن تقدّم أنّ للتقرب إليه تعالى مراتب ودرجات ، وأنّه لم يرد مثل هذا التعبير القرآني إلّا في هذه الآية فقط.