أقول : روي قريب منه في كتب أهل السنّة وتفاسيرهم ، ويستفاد من الحديث أنّهم كانوا يعرفون أنّه النبيّ الموعود الذي بشّر به كتبهم ، ولكنّهم خالفوه وعاندوه عتوا واستكبارا ، كما أنّه يدلّ على أنّ الحكم الذي حكم به الرسول صلىاللهعليهوآله موجود في كتبهم ، وأقرّ به ابن صوريا ، ولكنّهم حرّفوه وبدّلوا دين الله تعالى كما أخبر به عزوجل. وذكر جمع من المتتبعين أنّ الموجود في التوراة الحاليّة الدائرة بينهم يقرب ممّا هو المذكور في الحديث ، راجع التوراة الأصحاح الثاني والعشرين من سفر التثنية ، كما أنّ الموجود فيها من حكم الدية يقارب ما ورد في الحديث ، راجع الأصحاح الحادي والعشرين من سفر الخروج.
وفي الدرّ المنثور عن ابن عباس قال : إنّ الله أنزل : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) ـ أو ـ (الظَّالِمُونَ) ـ أو ـ (الْفاسِقُونَ) ، أنزله الله في طائفتين من اليهود قهرت إحداهما الاخرى في الجاهلية حتّى ارتضوا واصطلحوا على أنّ كلّ قتل قتلته العزيزة من الذليلة فديته خمسون وسقا ، وكل قتيل قتلته الذليلة من العزيزة فديته مائة وسق ، فكانوا على ذلك حتّى قدم رسول الله صلىاللهعليهوآله المدينة ، فنزلت الطائفتان كلتاهما لمقدم رسول الله صلىاللهعليهوآله يومئذ لم يظهر عليهم ، فقامت الذليلة فقالت : وهل كان هذا في حيين قط دينهما واحد ، ونسبهما واحد ، وبلدهما واحد ، ودية بعضهم نصف دية بعض؟ إنّما أعطيناكم هذا ضيما منكم لنا ، وفرقا منكم ، فأما إذ قدم محمّد فلا نعطيكم ذلك ، فكادت الحرب تهيج بينهم ، ثمّ ارتضوا على أن يجعلوا رسول الله صلىاللهعليهوآله بينهم ، ففكرت العزيزة فقالت : والله ما محمّد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم ، ولقد صدقوا ما أعطونا هذا إلّا ضيما وقهرا لهم ، فدسوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فأخبر الله رسوله بأمرهم كلّه ، وماذا أرادوا فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) ـ إلى قوله ـ (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) ، ثمّ قال : فيهم والله نزلت».
أقول : روى قريب منه القمّي في تفسيره مع الاختلاف في كيفيّة التطبيق. وممّا يهون الخطب أنّها من روايات أسباب النزول التي قلّما سلمت من الإشكال ، والعمدة هي الأخذ بظواهر الآيات وما تدلّ عليه.