فإنّ الأوّل عبارة عن إيجاب الحفظ ورؤيته في المراقبة قولا وعملا من كلّ من وجب عليه الحفظ دون الثاني ، فإنّه لم ينظر فيه هذه الخصوصية ، ولعلّ هذا الفرق أوجب أن يكون هذا الوصف من صفات الأوصياء ، كما أنّ هناك فرقا آخر أيضا ، وهو أنّ الاستحفاظ يدلّ على العلم التامّ بخصوصيات الكتاب وما أنزله الله تعالى والتكليف بالحفظ وبيان ما كمن في نفوسهم الطاهرة من العلم ، بخلاف مجرّد العلم ، ولذا اعتبر في علم المعصوم أن يكون محيطا بجميع ما تحتاج إليه الامّة من حلال الشريعة وحرامها ، والعلم بالكتاب وشؤونه. ففي الحديث المروي عن أبي عمر الزبيريّ ، المروي في تفسير العياشي عن أبي عبد الله عليهالسلام : «انّ ممّا استحقّت به الإمامة العلم المنور ـ وفي نسخة المكتونة ـ بجميع ما تحتاج إليه الامّة من حلالها وحرامها ، والعلم بكتابها خاصّة وعامّة ، والمحكم والمتشابه ، ودقائق علمه أو غرائب تأويله ، وناسخه ومنسوخه ، قلت : وما الحجّة بأنّ الإمام لا يكون إلّا عالما بهذه الأشياء التي ذكرت؟ قال عليهالسلام : قول الله تعالى فيمن أذن الله لهم بالحكومة وجعلهم أهلها : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ) ، فهذه الأئمة دون الأنبياء الّذين يربّون الناس بعلمهم ، وأما الأحبار فهم العلماء دون الربّانيون ، ثمّ أخبر فقال : (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ) ، ولم يقل : بما حملوا منه» ، فإنّه (عليه الصلاة والسلام) يشير إلى معنى دقيق ، وهو أنّ علم الأنبياء أعلى مرتبة من علم الأوصياء الذي يختلف عن علم العلماء للذين حملوا علم الدين بالتعليم والتعلم ، والأوصياء ليسوا كذلك ، فإنّهم علموا الكتاب بما وصل إليهم من الأنبياء وما ألهمهم الله تعالى ، ولذا كلّفوا بالحفظ ويسألون عنه ، نظير قوله تعالى : (لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) [سورة الأحزاب ، الآية : ٨] ، أي : يسألهم عمّا كلّفوا به من الصدق في الأقوال والأفعال وما كمن في نفوسهم من صفته.
إن قلت : إنّه قد ذكر عزوجل الأحبار الذين هم علماء الدين في سياق الربّانيين ، فلم لم يشترط فيهم ما اشترط في الأنبياء والربّانيين من العلم والعصمة.