قلت : إنّه مضافا إلى عدم الدليل على اشتراطها فيهم ، بل وردت الأدلة على عدمه ، لأنّ المقتضي للاشتراط في الأنبياء والأوصياء هو ما أخبر به عزوجل من صفة الاستحفاظ فيهم وتكليفهم بالحفظ ، فإنّهم رسل الله تعالى وامناؤه على الشريعة ومبيّنوا حلالها وحرامها والمكلّفون بحفظها ، واحتياج الامّة إليهم كما عرفت آنفا ، وهذا بخلاف الأحبار والعلماء ، فإنّه وإن أخذ العهد والميثاق منهم على بيان الأحكام الإلهيّة وحفظها ، إلّا أنّه مجرّد ثبوت شرعيّ ، لا ثبوت حقيقيّ مبني على العلم والعصمة عن الخطأ والغلط ، والدين الإلهيّ لا يتمّ إلّا بالأخير دون الأوّل.
الشرط الثالث : العصمة من الغلط والخطأ ، فإنّ العلم بالمعنى المزبور في الربّانيين الذي تبتني عليه الشهادة يستدعي العصمة ، فإنّها شهادة غير ما هي المتداول عند الناس ، وهي شهادة على الشريعة والكتاب كشهادتهم على الأعمال يوم القيامة ، التي تقدّم الكلام فيها في قوله تعالى (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) [سورة البقرة ، الآية : ١٤٣]. وهي شهادة حضور ومراقبة وحفظ ، وهي تختصّ بالأنبياء والأوصياء ، ولا ريب أنّ مثل هذه الشهادة تستلزم العصمة ، وإلّا استلزم الخلف ، فهي شهادة حقيقيّة خالية عن الخطأ والغلط والمعاصي ، ويدلّ عليه ما ورد في الحديث المزبور المروي عن تفسير العياشي عن الصادق عليهالسلام : «انّ ممّا استحقّت به الإمامة التطهير والطهارة من الذنوب والمعاصي الموبقة التي توجب النار».
وممّا ذكرنا يظهر معنى قوله عليهالسلام في الحديث المزبور : «فهذه الأئمة دون الأنبياء الذين يربّون الناس بعلمهم» ، فإنّهم أوصياء الأنبياء والأئمة على الخلق والحجّة عليهم ، لأنّهم علموا بالكتاب حقّ العلم وشهدوا عليه بحقّ الشهادة.
والآية الشريفة وإن نزلت في الأنبياء والربانيين والأئمة من بني إسرائيل ، إلّا أنّ المناط موجود في غيرهم من الأنبياء والأئمة ، لأنّ الاستحفاظ والشهادة اللذين لا يقوم بهما إلّا الربّانيون ، يكونان في كلّ كتاب إلهيّ نزل من عند الله تعالى يشتمل