وأما المحبّة ، فلا بدّ أن تقتصر على البرّ بهم والقسط إليهم ، فلا تشمل جميع أنواع المحبّة التي يجب تحقّقها بين أفراد المؤمنين. ومن ذلك يستفاد أنّ التعبير بالاتّخاذ في المقام له دلالته الخاصّة ، لا سيما بعد ذكر المتعلّق ، وهي الولاية.
وأما الولاية ، فقد تقدّم الكلام في معناها ، وذكرنا أنّ مادة (ولي) تدلّ على التبعية وتحقّق شيئين أو أكثر حصولا ليس بينهما ما ليس منهما ، ولذلك مصاديق مختلفة ، منها : الوليّ ، وهو الذي يلي أمر غيره ، فيكون تابعا له ، كوليّ اليتيم ، ووليّ المرأة ، ووليّ الأمر ، ونحو ذلك. والتبعية تشتدّ وتضعف في الموارد ، وقد اختلط على كثير هذه المراتب ، فاعتبروا لكلّ مرتبة معنى خاصا لها ، إلّا أنّ الأمر ليس كذلك.
ومنها : الصديق والقريب ، إلى غير ذلك ممّا ذكروه ، والجميع إنّما هي مصاديق لهذه المادة التي لها مراتب مختلفة شدّة وضعفا ، فكلّما اشتدّت التبعية والقرب الذي له دواعي وأسباب متعدّدة ، كانت الولاية شديدة ، أعلاها الولاية التكوينيّة والتشريعيّة ، الثابتتان لله تعالى ورسوله وأولياء الله تعالى ، وقد جمعت في قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) [سورة المائدة ، الآية : ٥٥] ، فتكون جهة الولاية هي الطاعة ، وقد تكون من جهة التقوى والانتصار ، فالوليّ هو الناصر ، وإن كانت جهة الالتيام في المعاشرة والمحبّة التي هي الانجذاب الروحيّ. وإن كانت من جهة النسب ، فالوليّ هو الذي يرثه من غير مانع يمنعه ، إلى غير ذلك من المعاني التي ذكروها في هذه المادة التي هي إلى الدواعي أقرب ، وقد ذكرنا ما يتعلّق بها في غير المقام أيضا ، فالولاية نوع اقتراب ومعاشرة مع شيء ، توجب ارتفاع الموانع والحجب بينهما ، ويختلف شدّة وضعفا ، كما تختلف من جهة الدواعي ، وأعظمها ولاية الله تعالى لعباده المؤمنين التي هي أشدّ مراتبها التي تجتمع فيها الكثير من الجهات والدواعي ، ففيها النصرة والتقوى والمحبّة والطاعة ، والوليّ فيها هو الذي يحكم في أمره بما يشاء ، وغير ذلك ممّا ذكروه.
والولاية قد تكون ولاية الانتصار ، فحينئذ يكون الولي هو الناصر الذي لا يمنعه شيء عن نصرة من اقترب منه ، وقد تكون ولاية المحبّة التي هي الانجذاب ،