فالولي هو الذي لا يملك الإنسان نفسه دون أن ينفعل عن إرادته ، وقد تكون ولاية النسب الذي هو نوع اقتراب بين المنتسبين تكوينا ، فالوليّ هو الذي يرث من الآخر من غير مانع يمنعه ، وسيأتي مزيد بيان في الموضع المناسب إن شاء الله تعالى.
وأما سياق الآية الشريفة ، فهو يدلّ على أنّ المراد من الولاية هي ولاية النصرة والمحبّة ، اي : لا تعاشروا اليهود والنصارى معاشرة الأحباب ، تلقون إليهم بالمودّة وتستنصرونهم في بعض شؤونهم ، كما هو الأمر بالنسبة إلى ولاية المشركين. قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) [سورة الممتحنة ، الآية : ١] ، ويدلّ على ذلك ذيل الآية الشريفة التي تقيّد إطلاق صدرها ، فيختصّ النهي عن تلك الولاية التي توجب المحبّة والخلطة بينهم ، بحيث يستلزم النصرة والامتزاج الروحيّ ، ويرشد إلى ذلك ما اعتذر به المنافقون الذين حكى عنهم عزوجل : (نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ) ، فتدور عليهم الدائرة فتصيبهم منهم ومن غيرهم الجور فيتأيدون بنصرة اليهود والنصارى ويتخذونهم أولياء بالمحبّة والنصرة ليسلموا من دائرتهم ودائرة غيرهم. وقد نهى عزوجل المؤمنين عن مثل هذه الولاية.
وممّا ذكرنا يظهر الإشكال في ما ذكره بعض المفسّرين في المقام من أنّ المراد بالولاية ولاية النصرة التي تجري بين شخصين أو قومين التحالف والتعاهد على نصرة أحدهما الاخر عند الحاجة ، كما كانت دائرة في الجاهليّة ، فيختصّ النهي بجماعة المسلمين دون جملتهم ، كيف وقد حالف النبي صلىاللهعليهوآله يهود المدينة وقد أصرّ على ذلك وأنكر أشدّ الإنكار أن تكون ولاية المحبّة فقط ، كما ذكره جمع كثير من المفسّرين ، واعتبر كون الولاية بمعنى ولاية المحبّة ممّا تتبرّأ منه الآية الشريفة في مفرداتها واسلوبها ، كما يتبرّأ منه سبب نزولها والحالة العامّة التي كان عليها المسلمون وغيرهم في عصر التنزيل.
واستغرب أن تحمل الآية الشريفة على النهي عن المعاشرة معهم والاختلاط بهم وإن كانوا ذوي ذمّة أو عهد ، وقد كان اليهود يقيمون مع النبي صلىاللهعليهوآله ومع