ما ذكرناه ، وإلا فهو خلاف ظاهر الآية ، كما لا يخفى.
الثاني : أن عموم العلة في ذيل الآية من قوله تعالى : (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) يشمل خبر العادل والفاسق معا ، لأن الجهالة بمعنى عدم العلم ، وهو مشترك بينهما ، فلا دلالة لها على اعتبار خبر العادل ، لأن عموم العلة مقدم على ظهور القضية المعللة بها عند العرف والعقلاء ، فلا وجه للاستدلال بها على اعتبار خبر العادل ، لكونه مشتركا مع خبر الفاسق في الجهالة وعدم العلم.
وفيه .. أولا : أن الجهالة بمعنى : فعل ما لا ينبغي صدوره عن العاقل المتدين الملتفت إلى دينه وعقله ، كما في قوله تعالى : (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ) ، وقوله تعالى : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ) ـ الآية ـ فإن التوبة إنما تكون عن المعصية وهي متقوّمة بالعلم بالتكليف ثم المخالفة عن علم وعمد ، ولا ريب في أن ترتب الأثر على الخبر قبل التفحّص عن صدقه من فعل السفهاء ومن لا يهتم بعقله ودينه.
وثانيا : أن الجهالة بمعنى عدم العلم ، لكنه أعم من العلم الحقيقي ومطلق الوثوق والاطمئنان العرفي العقلائي ، ولا ريب في تحقق الأخيرين في خبر العادل دون الفاسق ولو حصلا منه لقلنا به مطلقا. فيكون خلاصة المعنى حينئذ : إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا حتى يحصل لكم الوثوق بصدقه ، ويكون ذكر الفاسق حينئذ مع اشتراكه مع خبر العادل عند حصول الوثوق منه للتنبيه على فسق مورد نزول الآية ، ولكون الفاسق مورد التبين غالبا.
الثالث : أن مورد الآية هو الإخبار بالارتداد الذي لا يثبت إلا بالبينة ، فلو عمل بالمفهوم يلزم خروج المورد وهو مستهجن.
وفيه .. أولا : أن مورد الآية هو منطوقها ، والاستدلال بها إنما يكون بمفهومها ، ولا ملازمة بين المنطوق والمفهوم من كل حيثية وجهة حتى في شأن النزول أيضا.