واستحقاق العقاب على مخالفته ، وكونه عذرا مع المخالفة للواقع ، قصورا لا تقصيرا ، وهذه الآثار من المرتكزات التي يلتزم بها كل عاقل ، فوجوب العمل على طبقه ليس وجوبا شرعيا ، بل هو من الوجوب الارتكازي العقلي ، كوجوب دفع الضرر.
ويصح تعلّق الجعل الشرعي بهما إثباتا للتأكيد وردعا لمصالح يعرفها الشارع ، بل الظاهر صحة تعلّق الجعل بجهة الكاشفية أيضا للتأكيد وإتمام الحجة ، كما يصح ردع الشارع عنها ، لأن اعتبار الكواشف مطلقا في الشريعة معلق على عدم ردع الشارع عنها ، فالقاطع وإن كان يرى الواقع باعتقاده ولكن الشارع الحكيم له أن يقول : لا اعتبر الواقع ، ولا أريده منك ولا محذور فيه.
ثم إن تحقق القطع بالنسبة إلى القاطع وجعله له إنما هو بالجعل البسيط ، وهو إيجاده بما يوجب حصوله في النفس من ترتيب المقدمات الدخيلة في حصوله.
وأما الجعل المؤلف ـ وهو جعل الحجية والكاشفية له ـ فهو غير معقول ، لأنه إنما يكون بين الشيء وعوارضه المفارقة ، لا بينه وبين ذاتياته ، لأن مناط هذا الجعل إنما هو الفقدان ، ولا يعقل أن يكون الشيء فاقدا لذاتياته ، فلا يعقل الجعل التكويني بين القطع والكشف والحجية لهذه الجهة ـ على المعروف بين الفلاسفة وإن ناقشنا فيه خصوصا بالنسبة إلى مجعولات الله تعالى في محله ـ لا لأنه مستلزم للتسلسل ، كما عن جمع من الاصوليين بدعوى : أن حجية كل شيء لا بد وأن تنتهي إلى العلم ، فإن كانت حجيته مجعولة يلزم التسلسل ، وذلك لأن التسلسل إنما يلزم إن كان جعل الحجية للقطع بنحو القضية الخارجية. وأما إذا كان على نحو القضية الطبيعية ، فلا يلزم ذلك ، كما لا يخفى.
وحيث لا يعقل جعل الحجية للقطع على المشهور ، فلا يعقل سلبها عنه أيضا ، لأن كل ما لا يمكن تعلّق الجعل بوجوده لا يمكن تعلّقه بعدمه أيضا ، لأن