الواقعيات الثانوية ، وهي مجعولة شرعا ، فهي من الأحكام الإلهية بالاتفاق ، فلتكن الاجتهاديات أيضا كذلك ، أي أنها أحكام إلهية اقتضاها التسهيل والامتنان على الامة والرأفة بهم ، وليس ذلك مختصا بالأحكام الشرعية فقط ، بل يجري في أنظار العلماء في جميع العلوم ، سواء كان متعلّقها من الاعتباريات أو من الماديات ، فكلما يقال فيها يقال في الاجتهاد في الأحكام أيضا.
وثانيا : بتواتر الأخبار على وحدة الحكم الواقعي.
وفيه : إنه لم يظفر على خبر أو خبرين من تلك الأخبار فضلا عن المتواتر منها ، وإن أريد بها أخبار الاحتياط فهي وإن كنت متواترة في الجملة لكنها أعم من المدعى ، كما لا يخفى.
الثالث : أنه لا واقع أصلا إلا ما يراه المجتهد ، فيكون رأيه موجبا لحدوث الواقع وتحققه مطلقا.
واورد عليه .. أولا : بما أورد على الثاني من الإجماع والأخبار المتواترة ، وتقدم الإشكال عليه.
وثانيا : بأنه لو لم يكن شيء موجود في الواقع لما صدق التفحص عنه والاجتهاد فيه ، والاستنباط متقوم بالتفحص في الأدلة للظفر على الواقع.
وفيه : أن الاجتهاد والتفحص في المباني لأجل إحداث الرأي ، كما في ذوي الرأي في جميع العلوم والفنون ، سواء كان الرأي تأسيسيا أو إمضائيا ، ولا محذور فيه.
ثم إن القول بالتصويب مخالف لما رواه البخاري في صحيحه في الجزء التاسع باب الاعتصام بالكتاب والسنة عن النبي صلىاللهعليهوآله : «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ، وان اجتهد واخطأ فله أجر واحد» ، إذ لا فرق بين الحاكم والمفتي عندهم ، إلا أن يقال : إن الحديث مختص بخصوص الموضوعات التخاصمية دون الأحكام ، ولكنه تخصيص بلا وجه.